لقاء (بوتين – ترمب) في قمة العشرين يؤسس لحلول أوسع
في عام 1999، تأسست “مجموعة العشرين” كمنتدى عالمي بسبب الأزمات المالية في عقد التسعينيات. ومعروف أن دول هذه “المجموعة” استحوذت على ثلثي التجارة في العالم ونحو 85% من الناتج العالمي الخام. وقد استهدف التأسيس ترسيخ مبدأ الحوار لمراعاة زيادة الثقل الاقتصادي الذي أصبحت تتمتع به عدد من الدول. كذلك، إن كان الغرض من تأسيس هذا المنتدى، في حينه، تعزيز الاستقرار المالي الدولي وإيجاد فرص للحوار بين البلدان الصناعية وبلدان الاقتصاديات الناشئة، فقد تحول اليوم إلى تظاهرة سياسية أيضا حيث يلتقي القادة الـ 19 الكبار في المنتدى، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، لبحث قضايا مصيرية مهمة في ظل مصالح مختلفة وسياسات أكثر اختلافا. وقد بات حاصل تحصيل أن تشهد هذه القمم صدامات غير مسبوقة بين قوات الأمن والمتظاهرين المحتجين على النظام العالمي القائم، والتي طالما وجهت مظاهراتهم رسائل غضب موجهة للحكومات والمنظمات والسياسيين ضد توحش الرأسمالية.
قبل انعقاد القمة الأخيرة في المدينة الألمانية هامبورج، ذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير لها: “أن أكبر 20 قوة اقتصادية فى العالم على وشك التجمع في هامبورج لحضور قمة تستمر يومين تحدد ما إذا كان يتعين عليها النظر الى مستقبل الولايات المتحدة كأكبر قوة عظمى باستطاعتها قيادة العالم أم أن هناك قوة أخرى من المحتمل أن تسحب البساط من تحتها”. وأوضحت: “القمة، التي تبدو أنها تدور، ظاهريا، حول الاستقرار المالي، يمكن أن تمثل لحظة التخلي الرسمي للولايات المتحدة عن كونها أكبر قوة بارزة في العالم”. من جانبه، قال الكاتب الروسي (إيغور سوبوتين) في مقال نشرته صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية بعد انتهاء القمة: “أصبحت قمة مجموعة العشرين في هامبورغ شاهدا جديدا على فقدان الولايات المتحدة دور زعيمة العالم رغم أن هذا يحدث برغبة البيت الأبيض”.
من بين عديد القضايا الهامة التي شهدتها القمة كان اللقاء بين الرئيسين الروسي (فلاديمير بوتين) والأمريكي (دونالد ترمب)، فاللقاء الذي كان مبرمجاً لنصف ساعة، دام أكثر من ساعتين واقتصر على الرئيسين ووزيري الخارجية وتناول كل الملفات السياسية الدولية المطروحة بدءاً بسورية ومروراً بكوريا الشمالية والتوتر في بحر الصين وصولاً إلى أوكرانيا، وكذلك العقوبات الاقتصادية على روسيا، وحتى موضوع التأثير الروسي على انتخاب (ترمب) رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، دون التوقف عند العناوين الكبرى للقمة: تغيّر المناخ وأزمة الهجرة واتفاقات التجارة الحرة. وقد كان واضحا ارتياح الزعيمين بعد اللقاء حيث وصف الرئيس الأمريكي اللقاء بأنه “رائع”، بينما اعتبر الروسي أن (ترمب) “مختلف جدا عما نراه عبر التلفزيون”، مبديا ثقته في تحسن العلاقات مع واشنطن.
لقد كان واضحا أن الزعيمين قد وضعا على رأس أولوياتهما المصالح الخاصة لدولتيهما قبل كل شيء. وبحسب وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف): “يتعلق الأمر خاصة بتطبيع الحوار”. وتماما كما جاء على لسان مستشار (ترمب) لشؤون الأمن القومي (هربرت مكاستر): “ترمب يريد العمل من أجل تطوير الغرب سياسة بناءة مع روسيا”. فـ (بوتين) يأمل في بداية جديدة في العلاقات المتوترة التي تدهورت منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم. و(ترمب) الذي لم يخف أبداً إعجابه بالرئيس الروسي، يطمح إلى تجاوز ما يمكن تسميته “السحابة الروسية” التي تخيم على ولايته منذ دخوله البيت الأبيض وتشكل خطراً على رئاسته، وذلك بعد أن أدركت الولايات المتحدة أنها لم تعد اللاعب الأوحد على الساحة الدولية بعد دخول روسيا كلاعب أساسي بهذه القوة وإثباتها أنها على استعداد للذهاب بعيدا في الدفاع عن مصالحها، سواء قريبا أو بعيدا من حدودها.
وإن كان المحللون السياسيون الروس والأمريكيون على حد سواء، ومنذ ما قبل اللقاء، لم يتوقعوا حدوث اختراق ملموس في هامبورغ، لكن موضوع الحرب المشتركة ضد تنظيم “داعش” شكّل تقدما ملموسا خاصة جهة التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في محافظتي درعا والقنيطرة، جنوب غربي سورية. ورغم تجاهل القضية الفلسطينية، ليس في اللقاء الثنائي الأمريكي الروسي فحسب بل في القمة بأكملها، فإنه من المأمول أن يكون لقاء (بوتين/ ترمب) وتطور العلاقات بين الزعيمين ومن ثم بلديهما رغم المشاكل التي يواجهها (ترمب) في واشنطن جهة التقارب مع روسيا، بداية للمس أثر إيجابي في منطقة الشرق الأوسط، ذلك أنه لا جدال كبير، لدى عديد المراقبين السياسيين، أنه بدون اتفاق روسي – أمريكي يتبعه اتفاق دولي يبدأ من إيران إلى لبنان ومن ليبيا إلى السودان ومن اليمن إلى سوريا لن يكون هناك حل ناجع لأي من النزاعات الشائكة التي تعيشها المنطقة، وهو ما أكده العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مؤخرا في حديثه مع الرئيس (بوتين) حين قال: “تعاون الدول العظمى سيضمن تحقيق التقدم باتجاه الحل السياسي”.