بعد قمع الفلسطينيين، هكذا تقمع اسرائيل يهودها

أ.د. أسعد عبد الرحمن

بات أمرا “عاديا” أن ينجو طفل أبكم من بلدة بيت فوريك شرق مدينة نابلس شمال الضفة المحتلة من موت محقق بعد خطفه وتعذيبه على يد مستعمرين/ “مستوطنين” أرادوا حرقه! وأصبح أمرا “طبيعيا” أن يعطب مستعمرون/ “مستوطنون” إطارات مركبات ويخطون شعارات معادية على جدران الكنائس والمساجد، وأن يطلقوا قطعان خنازيرهم لإتلاف حقول قمح وشعير الفلسطينيين! وأصبح أمرا “روتينيا” أن يدهس “مستوطن” طفلًا فلسطينيا ويلوذ بالفرار! بل بات أمرا “مألوفا” أن يقدم جنود الاحتلال على اغتيال أطفال وفتيان فلسطين بدم بارد بزعم حملهم السكين، وغير ذلك الكثير من المقارفات/ الجرائم ضد الفلسطينيين. وكل هذا يدخل في نطاق “العادي” و”الطبيعي” طالما أن الأمر يتعلق بيهود إسرائيليين متطرفين يمارسون مقارفاتهم ضد مسلمين ومسيحيين عرب!

غير أن ما هو “غير عادي” و”غير طبيعي” أن تمارس الحكومة/ الكنيست/ الأحزاب الحاكمة في “إسرائيل” مقارفات ضد يهود إسرائيليين يختلفون معهم في السياسة، رغم أن الدولة الصهيونية في فلسطين قد قامت على الفاشية والإرهاب واتخذته استراتيجية ثابتة لبقائها. وها إن هذه الفاشية وذلك الإرهاب يطال يهود إسرائيل بعد أن طال عرب فلسطين وغيرهم. ويأتي هذا التطور (بالأحرى، التدهور) بعد أن أكدت استطلاعات الرأي العام الاسرائيلي في الآونة الأخيرة أن العقيدة/الديانة اليهودية، المغرقة في ضيق الأفق والتعصب، (والعقيدة القومية المتعصبة كذلك) أضحت المحرك لإسرائيل تليها المصالح السياسية. وهذا كله لم يكن مستبعدا، فإسرائيل، القائمة على منطق القوة والعنصرية والاستعمار/ “الاستيطان”، فقدت قدرتها على التحول الى دولة ديموقراطية ويهودية ومحتلة… في آن معا.

أظهر استطلاع للرأي العام أجرته قناة التلفزة في الكنيست بواسطة معهد “بانس بوليتيكس” المتخصص في شؤون الاستطلاعات، أن “58% من الإسرائيليين يؤيدون وثيقة “المدونة الأخلاقية” التي وضعها البروفسور (آسا كشير) بناء على طلب وزير التربية والتعليم (نفتالي بينت) رئيس “البيت اليهودي”، المتعصب حتى النخاع، وتنص على أنه لا يجوز للمحاضرين الأكاديميين (الإسرائيليين) التعبير عن رأيهم في مواضيع سياسية أمام طلبتهم إلّا إذا تطلبت المواد الدراسية ذلك، وأن 34% يعارضونها”. وقد وقع نحو 1000 محاضر في الجامعات الإسرائيلية عريضة يعلنون فيها التزامهم بتجاهل الوثيقة. وقد توالت ردود الفعل الرافضة والمستهجنة من قبل العلمانيين واللبراليين الإسرائيليين (اليهود والعرب) حيث شبّه عضو الكنيست/البرلمان الإسرائيلي (عوفر شيلح) من حزب “يوجد مستقبل” بأنها “شكل من أشكال شرطة الأفكار”، فيما أكد عضو الكنيست (أريئيل مارغليت) من حزب “المعسكر الصهيوني” أن “الهدف الوحيد هو إسكات الأصوات النقدية وإخافة المحاضرين”. واعتبرت عضو الكنيست (تسيبي ليفني) “المعسكر الصهيوني” إنها (أي “المدونة” آنفة الذكر) “غير أخلاقية وتشكل خطوة أخرى من طرف الحكومة الإسرائيلية لإسكات أي خطاب وحرية فكر”. وأشارت عضو الكنيست (زهافا غالئون) “رئيسة حزب ميرتس” إلى أنها مدونة “بلشفية تقوض التربية على الديمقراطية والتعددية”.

على صعيد مختلف لكنه متمم، المنظمات اليسارية الإسرائيلية التي باتت تمثل كابوسًا يؤرق الدولة الصهيونية حيث دأبت هذه المنظمات وعلى رأسها منظمتي “بتسيلم” و”كسر الصمت” على فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي في المجتمع الفلسطيني، من تجاوزات إسرائيلية وإفراط في استخدام السلاح والذخيرة الحية، وانتهاكات صارخة وتجاهل تام لحياة الفلسطينيين البشر ولحقوقهم الأساسية، والمضايقات اليومية والمستمرة للمواطنين الفلسطينيين بلا مبرر وسبب واضح. ومؤخرا، أكد (نتنياهو) أن الحكومة سوف تقدم مشروع قانون جديد يحدد حجم التمويل المسموح به لجمعيات إسرائيلية (يتم تصنيفها على أنها يسارية) من طرف الحكومات الأجنبية، وهو الذي طالما اتهم تلك الحكومات بتجاوز الخطوط الحمراء والتجسس على الجيش الإسرائيلي.

في السياق، حذر زعيم المعارضة الإسرائيلية وزعيم حزب “المعسكر الصهيوني” (يتسحاق هرتسوغ) حتى قبل أيام، قائلا: “إسرائيل تتجه نحو الفاشية، ومصيرها كدولة ديموقراطية على المحك. ينبغي على كل من يقلق على مصير الدولة، ويود منع الفاشية أن يدعم الانتقال إلى كتلة سياسية كبيرة ومعتدلة”. وهو (أي هرتسوغ) هنا يتحدث عن مساعي تشكيل ائتلاف جديد، يميل نحو اليسار، لاستبدال الائتلاف اليميني الحاكم الأكثر تطرفا في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، الذي يقوده نتنياهو. ومن جهتها، أوضحت صحيفة “جروزاليم بوست” ما تراه مؤشرا خطيرا في إسرائيل حيث أوردت تقول أن “الحكومة الحالية تهدد الفنانين وقضاة المحكمة العليا، وتهدد الصحفيين وتطردهم. الأكاديميون والأساتذة يتعرضون حالياً للتهديد ويخشون فتح أفواههم”. في السياق، يقول الكاتب الإسرائيلي (أوري مسغاف): “لا يمكن إصلاح اليمين الإسرائيلي. فهو غير قابل للاصلاح. كل الدعوات والمحاولات لاصلاحه مآلها الفشل. فمن اللحظة التي عقد فيها اليمين الإسرائيلي حلفا ظلاميا مع الفاشية والشعبوية، ليس له علاج”. وتابع: “أقول لمن يتمنون إصلاح اليمين وشفاءه: هذا لن يحصل في إسرائيل لعدة أسباب أهمها هو ثبات اليمين المحلي على أساس القومية المتطرفة الدينية بل وأحيانا المسيحانية. ولمن يختار أن يواصل العيش هنا (إسرائيل) لا يوجد له ترف اليأس. لا معنى حقيقيا للوجود (في إسرائيل) دون مقاومة الظلام والشر” اليميني (القومي والديني) الإسرائيلي!”.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى