مشاريع (قومية) إسرائيلية تركية إيرانية: أين نحن من كل ذلك؟!!
تضرب الفوضى اليوم منطقة الشرق الأوسط حتى غيرت – سلبا – من معالم خارطة سايكس/ بيكو السياسية. فلقد بدأت هذه الفوضى بالاحتلال الأمريكي للعراق، تبعها تنامي قوة تنظيم “القاعدة” وصولا إلى “داعش” في ظل فتنة سنية شيعية متفاعلة، تضرب العراق وسوريا واليمن، وأخرى سنية سنية تضرب مصر وليبيا والصومال مع تعاظم المخاوف من تصاعد حرب الوكالات في المنطقة. هذه الفوضى، وإن كانت مشوشة عربيا، لكنها منظمة ومدروسة في خطط ومشاريع القوى الأخرى غير العربية في المنطقة، الإسرائيلية والتركية والإيرانية.
المشروع الصهيوني، والذي هو بالمحصلة مصلحة أمريكية، أول وأقدم هذه المشاريع “القومية” قائم على إنشاء (دولة إسرائيل الكبرى) ذات الهوية اليهودية النقية الذي يستلزم بقاءها الدولة الأقوى في المنطقة. ومن الطبيعي أن يكون الهدف الأول للمشروع منع قيام أي شكل من أشكال التكامل العربي حتى في حدوده الدنيا، بل دفع المنطقة العربية في طريق التفتت أكثر وأكثر عبر إعادة تركيبها من خلال بناء منظومات ومناطق للتعاون الاقتصادي والعربي، وفصل بلدان المشرق عن بلدان المغرب العربي، وشمول إسرائيل بالمشرق الجديد. وإسرائيل هذه، تدرك أن لا قبل لها بتنفيذ هكذا مشروع طالما للمنطقة هوية عربية – إسلامية، وطالما وجد فيها دول أو أقطار عربية كبيرة نسبيا، لذا، نراها تبذل كل جهدها لتسريع تغيير التركيبة السياسية والاجتماعية العربية والإسلامية إلى فسيفساء طائفية إقليمية جهوية. وهذا ما يجري اليوم.
ثاني المشاريع هو التركي، الذي يسعى جاهدا للمزاوجة بين “إسلامية” يمثلها الزعيم الأوحد الرئيس (رجب طيب أردوغان) وحزبه “حزب العدالة والتنمية” وبين العلاقات الاستراتيجية المتنامية مع إسرائيل، في ظل مساعيه المرفوضة غربيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مقرونا بشهيته للتمدد في العالم العربي. وهذا المشروع يشهد تذبذبا، صعودا ونزولا، حيث أبرز تمدداته في الأزمة السورية وبدرجة أقل القضية الفلسطينية سعيا وراء احتلال مساحات نفوذ في العالم العربي على حساب الأطراف العربية الضعيفة والتابعة، أو في مواجهة قوى تتمدد هي الأخرى في المنطقة (إيران أساسا). اليوم يتعثر هذا المشروع، رغم محافظة الدور التركي على مكانته أقلها في سوريا عبر التحالف مع اللاعب الأكبر حتى اليوم في الأزمة أي روسيا، فيما الوضع الداخلي التركي بات يتأزم في نواح كثيرة في ظل مكافحة الاتحاد الأوروبي للمشروع (الأردوغاني) والرفض الثابت للمحاولات المتكررة منذ عام 1987 لتحقيق “الحلم الأوروبي”، في ظل الاتهامات فيما يخص مسائل حقوق الإنسان وحرية التعبير: ديكتاتورية، قمع، تشبث بالسلطة.
ثالثا، المشروع الإيراني، (الفارسي/ الصفوي برأي البعض)، والهادف “نشر التشيع” في المنطقة العربية برأي البعض الآخر. ويتسم هذا المشروع بطبيعة يتداخل فيها الديني بالقومي، أساسه المعلن عدم التدخل في شؤون “الآخر”، فيما كل “الآخر” مستاء من تدخلاته وطروحاته، مع التأكيد على أن فئات واسعة في المجتمعات العربية منقسمة في مسألة أيهما أخطر: إيران أم إسرائيل. والكثيرون يتفقون على مساعي تفتيت هذا المشروع، من خلال جهود إثبات طائفية المشروع أو فارسيته وبالتالي وجوب إنهائه بقوى طائفية أو قوى معاكسة، إقليمية أو حتى عالمية.
ورغم التفاوت في خطورة هذه المشاريع على العالم العربي في ظل المصالح الإقليمية “المشروعة” برأي كل صاحب مشروع، وفي نطاق انشغالنا بترددات “الربيع العربي” من فوضى وقتل في سوريا والعراق ولبنان ومصر واليمن وما ينتج عنه من خراب وإستباحة للدماء تسرع بتحويل الدول العربية الى دويلات خربة، في ظل كل ذلك، تزداد هذه المشاريع السياسية الثلاثة وضوحا، فيما ما زال المشروع الرابع، المشروع القومي/ الإسلامي العربي الوحدوي يغط في نومه، وإن وجد من يطرحه أو يروج له، ففي ظل تحالفات متباينة عربيا، على قاعدة “لا تحالفات دائمة إنما مصالح حاكمة”، أو “أهداف خارجية قصيرة المدى ومصالح بعيدة المدى”، أي لا مجال اليوم للحديث أو طرح “مشروع عربي”، اللهم في سياق التابع لإحد المشاريع الثلاثة.
المشروع الرابع، مشروعنا، في حالة غيبوبة تحاصره الفوضى في كل مكان وتلتهمه الفتنة الطائفية السنية الشيعية فيما تتحول الدولة الصهيونية إلى دولة ينظر لها كجزء من التحالفات في المنطقة. وفي نهاية المطاف، ليست مشكلة أصحاب هذه المشاريع الثلاثة أن العرب لم يستطيعوا تصميم مشروع عربي يطرح على الناس من أجل كسب تأييده ودعمه ومن ثم توظيف مختلف الطاقات نحو تنفيذه. نعم، نحن لا نصنع الكثير عمليا للمحافظة على أنفسنا، ونعم نحن المقصرون، فإلى متى نبقى مجرد مطايا يقيم الآخر مشروعه من أجل امتطائنا؟!!! وهل مطلوب من أصحاب هذه المشاريع وغيرهم أن يكونوا “هبلا” كما هو حال العرب؟!!!