هل كان مؤسسو إسرائيل الصهاينة “ملحدون” و”لعّانون”؟
قليلة هي الكتب التي نجد أنه يجب أن يفرد لعرضها مقال. ونحن اليوم أمام كتاب من هذا النوع وضعه الحاخام اليهودي (دافيد روزن)، أحد أبرز الشخصيات في “اللجنة الأمريكية اليهودية”، مثلما هو أحد أعلى المصادر الدينية والسياسية التي تخبرنا عن حقائق تكشفت خلال الإعلان عن كتابه (“ذرية إبراهيم”). ومعروف أن (روزن) هو كبير حاخامات ايرلندا السابق والمدير الدولي لشؤون الأديان في “اللجنة” آنفة الذكر. كما أنه أحد كبار مستشاري رئيس حاخامات إسرائيل للعلاقات بين الأديان. والكتاب من منشورات “اللجنة” ذاتها، وتكمن أهميته في مسعى جعله جزء من حملة علاقات عامة عالمية، بعد حصوله على موافقة دينية تامة من الحاخامية الكبرى لإسرائيل التي تدير جميع المسائل المتعلقة بالدين. وكانت “اللجنة الأمريكية اليهودية” والحاخامية الكبرى قد حققت لإسرائيل نجاحا كبيرا في إقناع “الأصوليين المسيحيين” بشرعية إسرائيل التوراتية، حيث أنهم يرون في قيام دولة إسرائيل إشارة واضحة على اقتراب “العودة الثانية للمسيح”. والأصوليون المسيحيون يؤمنون بقوة بأنه من دون “آرمجيدون” (يهوديا ومسيحيا: المعركة الفاصلة بين الشر والخير، وإسلاميا “معركة آخر الزمان”) وزوال إسرائيل وتشتت اليهود الكامل من الأرض المقدسة، لن تتحقق “العودة الثانية” إلى أرض فلسطين! لذلك، من الطبيعي أن يكون “الصراع بين اليهود والمسلمين” مرحبا به جدا من قبل هؤلاء الأصوليين الذين باتوا يشكلون ما يصل إلى 30% من الناخبين المؤيدين للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية.
يشير الحاخام/ الباحث إلى حادثتين في التاريخ دنس فيها اليهود “أرض الله المقدسة”: فالجزء الثاني من الكتاب المعنون “أرض إسرائيل” يوضح تأكيد التوراة بأن “أرض إسرائيل هي ملك فقط لله وليست ملكا خالصا لشعب معين. وأنه حين تحدى الإسرائيليون الوصايا وإرادة الله السماوية، حجبت عنهم الحماية الإلهية وانتهت إسرائيل وضاعت الأرض”. وثانيا، فإن: “الأرض مقدسة ويجب ألا تدنس بالعهر وسفك الدماء والجرائم الأخرى” وهو ما فعله اليهود بالضبط في ثورتهم الدامية لإقامة “المملكة اليهودية” في فلسطين والذي دفع الرومان إلى ذبح الغالبية العظمى منهم وتشتيت الباقين لعدم انتظارهم “إرسال الله للمخلص”.
وعلى الرغم من كل تحذيرات التوراة، يقتبس الكتاب من الأخيرة بأن الله قد أعطى أرضه المقدسة “لذرية إبراهيم” – أبو الأنبياء، مع مقاطع من القرآن تؤكد هذا الشأن الديني. جميل وحسن!!! أوليس إسماعيل (الابن الأول لإبراهيم) هو أبو الفلسطينيين العرب، الأمر الذي يجعلهم من “ذرية إبراهيم”، مثلهم مثل اليهود الفلسطينيين العرب/ السفارديم، الذين هم “أبناء يعقوب/ إسرائيل” الحقيقيين، لكن ليس اليهود الإشكناز الذين “ألحدوا” حين اخترعوا الصهيونية لإقامة دولة إسرائيل؟ وفي السياق، تؤكد “الموسوعة اليهودية العالمية” والمؤرخون اليهود البارزون، أن اليهود الإشكناز ينحدرون من خزر أوكرانيا (وليس من إبراهيم) الذين تحولوا إلى اليهودية في القرن السابع وليس لهم أي صلة بالقبائل العبرية مثل السفارديم/ يهود فلسطين العرب. وقد دعم فحص قام به علماء إشكناز في إسرائيل ونيويورك علميا هذه الحقيقة اليهودية التاريخية (أي أنهم من اليهود الخزر) وبالتالي فإن “شرعية” الصهيونية والصهاينة الإشكناز باطلة ولاغية.
على صعيد متمم، يصف المؤلف المؤسسين الصهاينة لدولة إسرائيل بأنهم “ملحدون” لم يعيشوا قط وفق القوانين والتقاليد اليهودية. ووفق الكتاب، تعتبر الغالبية العظمى من اليهود المتدينين جميع الصهاينة “لعّانون لووا يد الرب بإقامة دولة إسرائيل ولم ينتظروا المسيح لتحقيق المهمة التوراتية”. وكان علماء الدين اليهود في السابق، وما زال بعضهم، يحذر من أن “نهاية إسرائيل هي مسألة وقت”، وهي نبوءة تسر كثيرا الأصوليين المسيحيين من داخل وخارج الحزب الجمهوري الذين ينتظرون “آرمجيدون” اليهود في فلسطين. كذلك، كشف الكتاب أيضا أن “التلمود يمنع منعا باتا الهجرة اليهودية الواسعة إلى الأرض المقدسة” وهو ما يفعله الصهاينة الإسرائيليون في انتهاك فاضح لتلك التعاليم، ويشنون حربا تسفك فيها دماء “تدنس الأرض المقدسة”. وفي سياق متمم، يجزم الكتاب بأن الغالبية العظمى من اليهود المتدينين غيروا فكرهم الديني بفتاوى الحاخامات اليهود “بعد “المحرقة النازية”، و”النصر اليهودي” في “حرب الاستقلال” عام 1948، وبعد النصر المذهل عام 1967″.
وكما تجعل فتاوى التكفيريين “الإسلاميين” من سفك الدم الإنساني البريء “حلالا”، تجعل فتاوى الحاخامات من سفك الدم الفلسطيني والعربي، حتى هذا اليوم، “كوشير” (حلالا) أيضا. وختاما، ألم يصرح الحاخام (روزن) لصحيفة “هافنجتون بوست” خلال منتدى دافوس 2015 بأن “أخطر التحديات التي يواجهها الدين اليوم هي حين يصبح أداة قوة في يد دولة سياسية، فإنه عندها يخون رسالته حقا”؟ من جهتنا، نقول “آمين” لهذا الكلام، لكن ليشفي الأطباء (الإسرائيليون من أقصى اليمين الديني واليمين القومي الحاكم) أنفسهم أولا من التدليس والكذب!