“الدولة الواحدة”: صيغ متعددة ومتباينة عربيا وإسرائيليا

يلتبس على الكثيرين معنى “الدولة الواحدة”، وكأنها تحمل معنى واحدا. ولربما يكون السبب في ذلك كامنا في بتر صيغ الدولة الواحدة عن سياقها التاريخي، وكذلك في طغيان الطرح المتعدد المقاصد الذي ينادى به هذه الأيام أكثر من فريق من اليمين الإسرائيلي. أما جوهر هذا الطرح، فمفاده ضم الضفة الغربية (المباركة في التوراة “يهودا والسامرة”!!!) لدولة إسرائيل، خاصة في ظل “استحالة” إزالة المستعمرات/ “المستوطنات”، حيث أصبح الواقع الجديد يؤسس لصيغة إسرائيلية مختلفة لا تحمل، بالتأكيد، ذات المعنى والمقصد من وراء الشعار الفلسطيني الذي رفعته منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1969 وهو إقامة دولة واحدة ديمقراطية علمانية لا طائفية على أرض فلسطين التاريخية يعيش فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون على قدم المساواة في الحقوق والواجبات، وتمنح فيه المواطنة لكل من يعيش على أرضها الممتدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط. وعليه، نلاحظ أن فكرة “الدولة الواحدة” ليست بالموضوع الجديد. بل إن الفكرة طرحت لأول مرة في العام 1944 حينما صاغ الحزب الشيوعي الفلسطيني موقفه بالدعوة للتطور الديمقراطي لفلسطين والتحرر من التأثيرات الخارجية في ظل دولة واحدة، يكون فيها السكان العرب واليهود متساويين في المواطنة بكامل حقوقها وواجباتها. وقتها، وقع الخلاف بين الشيوعيين العرب واليهود حول إنشاء دولة ديمقراطية علمانية أم دولة ثنائية القومية، مثلما شمل الرفض الفلسطيني الصارم لفكرة تلك الدولة الواحدة معظم القيادات والأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية والعربية. هذا، عن فكرة “الدولة الواحدة” فلسطينيا وعربيا.

بالمقابل، لا يمكن الزعم بوجود إجماع إسرائيلي على صيغة محددة للدولة الواحدة، مع أن خطوطها العريضة، حسب البناء الاستعماري/ “الاستيطاني” في ظل حكومة اليمين المتطرف، تعني ضم الضفة الغربية لدولة إسرائيل، مع بعض الاختلافات. فالبعض يريد دولة يهودية “نقية” لا وجود للعرب فيها، فيما آخرون لا يمانعون في أن تكون دولة واحدة تقوم على الفصل العنصري “أبارتايد”، وهو الأمر الذي أكده التقرير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا (إسكوا)، بشأن “تأسيس إسرائيل نظام فصل عنصري (أبارتايد) يهيمن على الشعب الفلسطيني بأجمعه ويقسمهم إلى أربع فئات تخضع كل منها لترتيبات قانونية مختلفة، وأن الوقائع والأدلة تثبت بما لا يدع للشك مجالا أن إسرائيل بسياساتها وممارساتها مذنبة بارتكاب جريمة (الأبارتايد) كما تعرفها مواد القانون الدولي”. وفعلا، نرى أكثر من صيغة إسرائيلية للدولة الواحدة. فرئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) على سبيل المثال لا يتحدث عن دولة واحدة ديموقراطية تضم الفلسطينيين والإسرائيليين بل عن دولة يهودية “نقية”. ويقول في مقابلة أجرتها معه شبكة “MSNBC” التلفزيونية الأمريكية إنه “يوجد شرطان لدولة فلسطينية: الاعتراف من جانبهم بدولة يهودية والتخلي عن فنطازية القضاء علينا، وسيطرة أمنية إسرائيلية غرب نهر الأردن”. ومن أحدث المشاريع الإسرائيلية خطة رئيس حزب “البيت اليهودي” الوزير اليميني المتطرف (نفتالي بينيت) التي عرضت منح 40% من الضفة الغربية “حكما ذاتيا”، مرتبطا بالدولة الصهيونية، مع نفي حق إعادة اللاجئين الفلسطينيين من دول العالم إلى أراضي “الحكم الذاتي” الفلسطيني، إضافة إلى ضم 60% من الأراضي المتبقية من الضفة الى دولة الكيان الصهيوني، ودفع قطاع غزة إلى إقامة “دولة فلسطينية مستقلة”. وفي سياق المضحك المبكي في الطروحات الإسرائيلية حول “الدولة الواحدة” يأتي الشكل الذي تطرق إليه مؤخرا عضو الكنيست الليكودي (ميكي زوهر) خلال مقابلة حديثة، فهو يتصور دولة ستتشكل بعد ضم ممكن للضفة من قبل إسرائيل قائلا: “حل الدولتين انتهى، بقينا مع حل الدولة الواحدة. العرب لن يحصلوا على مكانة مساواة كاملة، أي أنهم لن يتمكنوا من التصويت للبرلمان (الكنيست). وهم سينالون جميع حقوقهم كمواطنين بدون حق التصويت في الانتخابات العامة”. وفي السياق، نلحظ أن “الدولة الواحدة”، بمفهومها العميق، تحولت إسرائيليا إلى صيغ عنصرية. فمعسكر اليمين الإسرائيلي يقف الآن بقوة وراء شعار “الدولة الواحدة” باعتباره تتويجاً لشعار “أرض إسرائيل الكاملة” التي يعيش فيها اليهود والعرب تحت “السيادة اليهودية”. ومن أبرز دعاة هذا المفهوم رئيس الدولة (رؤوبين ريفلين)، ووزير الدفاع الأسبق (موشي آرنز)، والرئيس الأسبق لمجلس المستوطنات (أوري أليتسور)، حيث يتلخص طرحهم في ضم الضفة الغربية بالكامل، وفرض القانون الإسرائيلي عليها، وعدم الاعتراف بحقوق قومية للفلسطينيين في “أرض إسرائيل”، والاعتراف فقط بحقوق مدنية من نوع منح الجنسية.

خلاصة القول أن إسرائيل، وضمن الصيغ المتعددة للدولة الواحدة، لم تقبل ولن تقبل بحل الدولة العلمانية الديموقراطية أو الدولة ثنائية القومية. وهي بالتالي لن ترضى بأي من الصيغ المطروحة عربيا وفلسطينيا والقائمة على المساواة والديموقراطية. وطبعا، هي ترى أن هذه الصيغ تلغي المشروع الصهيوني الذي رسخه (فلاديمير جابوتنسكي) ويتبناه هذه الأيام أتباعه، ألا وهو “أرض إسرائيل الكاملة” التي يعيش فيها اليهود (بحقوق كاملة) والعرب (بحقوق مبتورة) تحت “السيادة اليهودية”!!!