“الدولة الواحدة”في فلسطين التاريخية: يا ليت!
في إسرائيل، وبعد أن أزال الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب) “القدسية” عن “حل الدولتين” المتفق عليه دوليا بوشر بطرح حلول متفاوتة الرعونة! وفي هذا السياق، عاد الحديث عن الدولة الواحدة – ثنائية القومية، وهو الحل الذي كان فضل السبق فيه للحزب الشيوعي الفلسطيني في العام 1944 والذي يؤسس دعوة إنشاء دولة واحدة في فلسطين التاريخية بحيث يكون للسكان العرب واليهود مواطنة وحقوق متساوية في الكيان الموحد ثنائي القومية المقترح، وهو تقريبا ذات الحل الذي أعاد طرحه المفكر الفلسطيني الراحل (إدوارد سعيد)، والذي كانت قد تبنته قبل ذلك، في العام 1969، منظمة التحرير الفلسطينية.
اليوم، يطرح حل “الدولة الواحدة – ثنائية القومية” تحديات جسام على الإسرائيليين. وهو يأتي في سياق “المهمة المستحيلة” في ظل هيمنة اليمين الأكثر تطرفا في تاريخ الدولة الصهيونية والذي يتغلغل في كافة مفاصل بل مناحي السلطة السياسية الإسرائيلية، ويكاد يلمس، نهارا جهارا، في نسيج المجتمع الإسرائيلي بكامله. وفي هذا النطاق، يبرز مقال بعنوان “انتهى الجدل.. يوجد ضم” حيث كتب (روغل ألفر) يقول: “رئيس الدولة رؤوبين ريفلين، الذي هو أحد القلاع العقلانية في الدولة يطالب بضم المناطق. خلافا لمؤيدي الأبارتايد هو يؤيد اعطاء الحقوق المدنية الكاملة لجميع الفلسطينيين في المناطق التي ستسري عليها السيادة الاسرائيلية. أي هو يؤيد الدولة ثنائية القومية”. ثم يضيف مستنكرا: “ليس لدى إسرائيل حلول للدولة ثنائية القومية، فهي خطر وجودي. وعندما يطلب الرئيس ريفلين الضم فهو يطلب بذلك القضاء على دولة إسرائيل، ليس أقل من ذلك… فاليهود في إسرائيل لن يمنحوا ملايين الفلسطينيين الذين سيتم ضمهم المواطنة الكاملة والحق في الانتخاب. الضم يعني تعميق الأبارتايد الموجود أصلا. الضم هو خطأ تاريخي وخطوة تعبر عن عدم السلامة السياسية بل التدمير الذاتي. وفي نهاية المطاف ستكون للفلسطينيين حقوق مدنية كاملة. وفي الطريق إلى هناك ستحدث حرب أهلية دموية. وإسرائيل ستنتهي كدولة يهودية وديمقراطية”. ومن جهته، يقول (عامي أيالون) رئيس الشاباك الأسبق: “الاسوأ هو استمرار الوضع القائم. كل من له عقل يعرف أن الوضع الحالي سيؤدي إلى دولة واحدة لجميع مواطنيها. في هذا الواقع يمكننا الاختيار بين (أنموذجي) سوريا أو جنوب افريقيا”. ويحذر قائلا: “هل تريدون سوريا؟ لا أعرف إذا كان سيقتل 500 ـ 600 ألف شخص، لكن هذه ستكون دولة من دول العالم الثالث. هذا إضافة إلى ضم ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية، ولم نحل بعد مشكلة 2 مليون انسان في غزة. وفي جميع المعايير الاقتصادية سنتراجع. وفي مستوى التعليم والانتاج ايضا. إذن، إما أن يكون فصل عنصري على نمط جنوب إفريقيا أو سوريا”.
لقد اعتاد المجتمع السياسي الإسرائيلي على التفاضل بين “الدولة الواحدة – ثنائية القومية” (مع أو بدون “أبارتايد”) وبين دولة فلسطينية تقام إلى جانب إسرائيل. وفي الأغلب الأعم كان الرفض لفكرة دولة فلسطينية. لذلك، يحذر كتاب وسياسيون إسرائيليون ومؤسسات مجتمع مدني من هذا الخيار. في هذا السياق، تأتي لافتة “قريباً سنكون الأغلبية”، التي برزت في إسرائيل منذ بداية العام الجاري، كانت قد وجهتها حركة “قادة من أجل أمن إسرائيل” وقال عنها رئيس جهاز الموساد الأسبق (داني ياتوم): “هذه الحملة تهدف إلى إيقاظ الوعي بأنه إذا لم ننفصل عن الفلسطينيين في وقت قريب، فإنهم سيصبحون الأكثرية بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وإسرائيل نفسها لن تبقى دولة يهودية وديمقراطية”. في الإطار ذاته، لكن في سياق مختلف، يقول (يائير شاليغ) الباحث في “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”: “من الصعب أن نصدق أن الفلسطينيين في الضفة الغربية سيكونون واحدة من الجماعات في العالم التي لا يحمل أفرادها هوية ولا ينتمون إلى دولة. ولا يقل صعوبة الاعتقاد بأن المجتمع الدولي سيسمح لإسرائيل بالقيام بذلك. ففي نهاية الأمر، تطبيق السيادة (الإسرائيلية) في الضفة سيؤدي إلى ضغط دولي للمطالبة “لكل إنسان الحق في التصويت” في الانتخابات، وستضطر إسرائيل إلى منح الفلسطينيين الهوية مع كل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر على طابعها اليهودي”.
هل حل “الدولة الواحدة – ثنائية القومية” حل منطقي أم أنه مستحيل في ظل المعطيات التي يفرزها يوميا اليمين الإسرائيلي المتطرف؟! وهل سيبقى الحال على ما هو عليه أي طرح حلول إسرائيلية قديمة/ جديدة تصب كلها في صالح “اليهود” دون الفلسطينيين؟! بحسب الصحافي الإسرائيلي (ايتان هابر)، فإن الرئيس (ترمب) “والذي يتضح أنه يجهل حقيقة الوضع في الشرق الأوسط، سيتعلم أنه لا يوجد شيء كهذا يسمى (دولة واحدة، دولتان، ما تريدون). فسرعان جدا ما سيتبين الحاجة إلى تسوية مفروضة في الشرق الأوسط، لأن الحد الأدنى الذي تطلبه إسرائيل لا يلمس حتى طرف المطالب الفلسطينية”.