المشروع الإسرائيلي: “الوطن العليل” وصولا “للوطن البديل”
تنطلق السياسة الإسرائيلية من منطق إحلالي/ توسعي يستهدف ضم أوسع مساحة من الأرض والتخلص من أكبر عدد من الفلسطينيين. وفي السياق، وفي أقصى حالات “الكرم” عندهم، يطرح التحالف الإسرائيلي المتطرف الحاكم قيام دولة فلسطينية شكلية تجسد صورة “الوطن العليل”: “سلطة” فلسطينية في الضفة الغربية “بلا سلطة” وبدون “جغرافيا كافية” مع تكريس حالة “الاحتلال المربح” لإسرائيل، علاوة على التوسع في إقامة وضم الكتل الاستعمارية/ “الاستيطانية”، وخلق “كتل” جديدة، مع الإبقاء على حصار ومعاقبة قطاع غزة بإجراءات شتى.
ورغم “إنجاز” هذا “الوطن العليل” إسرائيليا، تخاف الدولة الصهيونية أن يؤذيها “وجود” أو “شفاء” هذا “الوطن” وتحاول تهجير مواطنيه إلى الخارج عبر فكرة “الوطن البديل”، وهو الحل المرفوض أردنيا وفلسطينيا، مع ملاحظة أن فكرة “الوطن البديل” غير محصورة في الأردن ولا تقف عند حدوده، بل تتعداها لتوطين اللاجئين أينما وجدوا. وها قد صدرت مؤخرا مواقف إسرائيلية عديدة دعت إلى إقامة “وطن بديل” للفلسطينيين في سيناء.
إن فكرة “الوطن البديل” تلتقي مع فكرة الاعتراف “بيهودية الدولة” ومع أهداف جدار الفصل العنصري، وكلها ضمن قائمة المخططات الإسرائيلية العديدة والجاهزة للتنفيذ (وأفدحها: التطهير العرقي وتهجير عرب المناطق المحتلة فور توفر الظروف المواتية). فهي مخططات تسير بخط مواز مع عملية التهويد المتسارعة، وهي امتداد تاريخي لاستراتيجية المشروع الصهيوني الكولونيالي التوسعي الذي يركز على قاعدتين أساسيتين: الاستيلاء على الأرض الفلسطينية بعد إفراغها عبر المجازر والإرهاب، أو عبر سياسات اقتصادية تجعل من فلسطين أرضا “طاردة” لسكانها الأصليين. هذا محليا.
أما إقليميا ودوليا، وبعدما دعا الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب) الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لاختيار ما يريانه مناسبا من حلول “بالتعاون والتنسيق” مع بعض الدول العربية، يحتدم النقاش الجدّي في إسرائيل، حول الحلول المقترحة، بدءا من (نتنياهو) الذي يريد حكما ذاتيا على قاعدة “دولة ناقصة”(!!!)، مكررا شروطه الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وامتلاكها السيطرة الأمنية على جميع الأراضي الفلسطينية غربي نهر الأردن، مدعيا أنه يريد للفلسطينيين “التمتع بحرية في حكم ذاتي، دون القدرة على تشكيل تهديد على إسرائيل”. وبالتزامن، اقترح رئيس المعارضة “الذي يقولون لنا عنه أنه معتدل” (يتسحاق هرتسوغ) دولة فلسطينية مؤقتة وبدون سيادة! ففي مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، استعرض (هرتسوغ) خطته لحل الصراع: الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية، الاحتفاظ بالكتل الاستعمارية/ “الاستيطانية”، دولة فلسطينية منزوعة السلاح مع إبقائها تحت قبضة الاحتلال، تعزيز التعاون مع الدول العربية في المنطقة خاصة الأمني والاقتصادي، استكمال بناء جدار الفصل العنصري، والجدار المحيط بالقدس المحتلة وعزل القرى الفلسطينية القريبة عنها. أما رئيس “الدولة” (رؤوبين ريفلين) الذي يحاول الظهور عادة بصورة سياسية مغايرة لمواقف حزبه اليميني “الليكود”، فقد أعلن تأكيده ودعمه “ضم جميع المناطق المحتلة الى إسرائيل”، مضيفا بأنه على قناعة بأن “فلسطين التاريخية بكاملها هي ملك لليهود، وأن السلطة الوحيدة في هذه المناطق يجب أن تبقى بأيدي حكومة إسرائيل”. أما رئيس حزب “البيت اليهودي” الوزير اليميني المتطرف (نفتالي بينيت) المنافس الأقوى (لنتنياهو) و”لليكود”، فقد عرض منح 40% من الضفة الغربية “حكما ذاتيا” متربطا بالدولة الصهيونية، مع ضم 60% من الأراضي المتبقية من الضفة الى دولة الكيان الصهيوني، ودفع قطاع غزة الى اقامة “دولة فلسطينية مستقلة”. وفي السياق، وتعزيزا للحكم الذاتي “المنشود”، تتضمن خطة (بينيت) وضع برنامج إنقاذ اقتصادي في الضفة شبيه بـ”خطة مارشال” الأمريكية في أوروبا، طبعا دون القدس التي ستكون – بنظره – عاصمة الدولة الصهيونية. ولا ننسى خطة وزير “الدفاع” (أفيغدور ليبرمان) “تبادل الأراضي” القائمة على ضم الكتل الاستعمارية/ “الاستيطانية” مقابل نقل منطقة “المثلث” داخل ما يسمى “الخط الأخضر”، ذات الغالبية السكانية العربية، إلى “الدولة” الفلسطينية (أي مناطق الحكم الذاتي).
بالنسبة لاسرائيل، “الوطن البديل” هو الخيار المثالي للتخلص من الفلسطينيين في ظل استغلال تراجع الموقف التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية حيال “حل الدولتين”، وفي ظل الظروف الإقليمية غير الحاضنة للفلسطينيين، ومع تراجع مكانة أوروبا. في هذا السياق، وفي مقال بعنوان “فقط الخيار الأردني: لا ضم ولا دولتان”، كتب (يائير شاليغ) الباحث في “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، يقول: “يجب إعادة إحياء هذا الخيار (أي خيار “الوطن البديل”). إن المعيار الأساسي على نهج إسرائيل السياسي لا يجب أن يكون موافقة جميع الأطراف المهمة عليه، بل التوجه المطلوب لإسرائيل نفسها. إذا اقتنع الرئيس الأمريكي وكثر آخرون في الغرب، الذين هم يدركون اليوم المخاطر التي تتربص بهم من الدول العربية غير المستقرة، بأن هذا هو الحل الأفضل، فإن لديهم ما يكفي من الأدوات ومن الجزر والعصي من أجل إقناع الأردن بالسّير في التوجه المرغوب فيه”!!! هذا ما تريده “إسرائيل”، وليس صحيحا، إطلاقا، أن ما تريده الدولة الصهيونية “قدر لا مناص منه”!!!