(ترمب) والقضية الفلسطينية: 3 سيناريوهات
منذ فوز (دونالد ترمب)، يكثر المحللون والسياسيون الإسرائيليون والغربيون من الحديث عن الموقف المستقبلي للولايات المتحدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: هل سيكون محايدا؟ هل ستنقل السفارة الأمريكية الى القدس المحتلة؟ هل ستعطي ضوء أخضر للبناء في المستعمرات/ “المستوطنات”؟ هل يمكنها إدارة الظهر لإسرائيل؟ وهل ستعلن نهاية “حل الدولتين”؟! وغير ذلك من أسئلة.
(ترمب) شخصية متقلبة ويدير الأمور بعقلية “رجل الأعمال” النرجسي والطامح للإنجاز. ومن الممكن – بين ليلة وضحاها – أن يغير سياسته. ولقد أثبت مؤخرا أن تبجحه الذي رافق حملته الانتخابية هو طبع أصيل فيه، مؤكدا قيامه بأمور وإعلانه عن مواقف غير متوقعة. وفي هذا السياق، هناك ثلاثة سيناريوهات عن الكيفية المحتملة لتعامل إدارة (ترمب) مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي:
أولها الحفاظ على الأمر الواقع، أي سياسة ” إدارة الأزمة ” التي تصب في صالح الدولة الصهيونية، وهي السياسية التي دأب على اتباعها الرؤساء الأمريكيون منذ عقود طويلة مع درجات في التشدد واللين هنا أو هنالك. وهذا ليس بالسيناريو المرجح.
السيناريو الثاني هو التأييد التام للدولة الصهيونية. فبيان البيت الأبيض الذي أدان إقرار إقامة مستعمرات/ “مستوطنات” جديدة في الضفة الغربية والقدس جاء بلغة رقيقة بعيدة عن الشجب. فقد شدد البيان على أن البناء يجب أن يكون حصريا في “حدود المستوطنات القائمة”، وأن “المستوطنات” نفسها ليست عائقا للسلام، ولكن “إقامة “مستوطنات” جديدة وتوسيع تلك القائمة إلى ما يتجاوز حدودها الحالية (وهو ليس محظورا عليها) فإنه “كفيل ألا يجدي في تحقيق الهدف وهو السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين”. وهذا “تطوير” في الموقف ينحاز أكثر باتجاه “تمرير” سياسة تذهب إلى أبعد من سياسة الرئيس الأمريكي (جورج بوش الابن) التي عارضت إقامة “مستوطنات” جديدة ووافقت على البناء فقط في الكتل القائمة. وفي هذا الصدد، يقول البروفيسور الإسرائيلي المختص بالقانون الدولي (يوجين كنتروفتش) إن الحديث يدور عن “تغيير كبير في السياسة، الأمر الذي يعني أن الولايات المتحدة توافق على البناء في المستوطنات القائمة بما فيها المستوطنات الصغيرة”. وأضاف: “في الوقت الذي تحاول فيه وسائل الإعلام تصوير الإعلان على أنه تقييد للبناء، يدور الحديث عن ضوء أخضر كبير وتاريخي”. ومن جهته، وفي مقال مهلل لموقف (ترمب) كتب (درور إيدار) يقول: “يمكن تسجيل اسم ترمب بحروف من ذهب في تاريخ شعبنا كمن ساعد في عودة صهيون. ومع ذلك، مستقبل الإستيطان لا يرتبط بالولايات المتحدة أو بالعالم، بل هو يرتبط بنا فقط، بتصميمنا وتمسكنا بالأرض وتقوية الوعي حول حقنا الطبيعي والبسيط في بلادنا”. وما هذا، أيضا، بالسيناريو الأكثر احتمالية.
أما السيناريو الثالث، وهو المرجح على الأغلب، فهو الذي يكفل تأييداً أعمق من الإدارة الأمريكية الجديدة للدولة الصهيونية ولكن ليس بكل ما تريده، مع الضغط على التقدم نحو حل ما. ويرسخ هذا السيناريو تجاهل (ترمب) حتى اللحظة مسألة “حل الدولتين” مخالفا بعض الرؤساء الأمريكيين السابقين الذين طالما دعوا، وإن إعلاميا فقط، لهذا الحل باعتباره الأمثل لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويبدو حتى الآن أن (ترمب) يميل إلى تسوية من نوع آخر، تقوم على أساس فكرة “الحكم الذاتي الفلسطيني الموسع” (ولربما الموسع جدا)، أي أنه يدعم حل الصراع بالمفهوم الإسرائيلي، ربما مع عوامل تجميل تأخذ اسم “دولة” أو اسم “امبراطورية” وفق التعبير الساخر (لأرئيل شارون)!!!
وفي نطاق هذا السيناريو، ثمة تنويعا في الاستنتاجات الاسرائيلية المتقاربة. فقد كتب (سيفر بلوتسكر) يقول: “مع الرئيس ترمب، يجب أن نكون جاهزين لانعطافة حادة في نهج البيت الابيض تجاه المستوطنات. والاستنتاج الناشيء، الجلي لعين الجميع: ترمب يعطي حكومة إسرائيل ضوء أخضر للبناء كما تشاء في المستوطنات في المناطق، على ألا يخرج البناء عن نطاق حدودها – حدود رسمتها إسرائيل نفسها. وحتى لو خرجت، فلا بأس، فقد اوضح البيان أيضا بان ترمب لم يبلور بعد موقفه النهائي في المسألة، وينتظر لقاء نتنياهو. إن لم تكن هذه انعطافة فما هي الانعطافة”. غير أن مقالا أكثر حذرا، بعنوان “تحذير لإسرائيل”، يقول (براك ربيد) مستخلصا: “الموضوع تمت صياغته بقفازات حرير، بدبلوماسية وأدب، لكن السطر الاخير كان واضحا – بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة فان حكومة إسرائيل توجد تحت التحذير. إعلان البيت الابيض يبين أنه حتى لو حدث تغيير بالمقارنة مع سياسة أوباما، فانه ليس دراماتيكيا في هذه المرحلة. ترمب يعود عمليا إلى سياسة جورج بوش الابن فيما يتعلق بالمستوطنات. أي أن الهدف الرئيسي له هو اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني على أساس حل الدولتين. وحسب الإعلان فان البناء في المستوطنات لا يخدم تحقيق هذا الهدف”.
وبانتظار ما ستسفر عنه قمة (ترمب/ نتنياهو)، لا أحد يستطيع بدقة تحديد سياسة (ترمب) المستقبلية والفعلية تجاه إسرائيل، رغم أن تصريحاته وبعض تعييناته اعتبرها اليمين الإسرائيلي بشرى بعد معاناة من سياسة سابقه (باراك أوباما). ومن المتوقع أن ما سيكون لم يسبق أن كان. فلأول مرة، منذ وقت طويل، يعلن البيت الابيض عن موقف من “المستوطنات” ومن “حل الدولتين” يقترب من الطرح الإسرائيلي اليميني المتطرف الذي يتجاوز، لمصلحة إسرائيل، الطرح الأمريكي في عهد (بوش الابن) ناهيك عن تجاوز “حل الدولتين”. فعلى الرغم من تصريحات (ترمب) و(نتنياهو) الأخيرة التي تتحدث عن حلول “واقعية” و”مسؤولة” فإنهما يقولان “نعم” للحكم الذاتي الموسع، رافضين لموقف أقصى اليمين الاسرائيلي الداعي الى ضم الضفة الفلسطينية، بما فيها القدس، ضماً كاملاً وناجزاً!!!