الرئيس الأمريكي (ترمب): “أمريكا أولا”… ماذا عن إسرائيل؟!!
تتباين سياسة الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب) مع سياسات أسلافه من الرؤساء الأمريكيين على مدار العقود السابقة، من حيث اتباع سياسة قد تؤدي الى “انعزالية” جديدة تركز على المصالح الأمريكية وهي إحدى شعارات حملته الدعائية “أمريكا أولاً على صعيد التهديدات والمصالح المتبادلة. ومن وحي الشعار يفهم أنه ليس هناك علاقة مميزة لأي دولة. إلا أن الكاتب الأمريكي ومؤسس ورئيس تحرير موقع “ذا أمريكان كونسر فاتيف” (باتريك بوكانان) أعلنها صراحة ودون مواربة في مقال بعنوان “أمريكا أولاً أم إسرائيل؟” حيث كتب يقول: “لقد رفع ترمب في كلمته بعد التنصيب شعار “أمريكا أولا”، وما لم يقله علنا، أن إسرائيل ثانيا. ترمب لديه صديق جديد هو بنيامين نتنياهو. مع تسلم ترمب الرئاسة سينتهي أي ضغط على إسرائيل والاستيطان سيستمر”. ويضيف: “في الواقع، حل الدولتين أصبح بالتأكيد تقريباً ميتاً الآن؛ إذ إن نتنياهو لن يفكك المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية من أجل إقامة دولة فلسطينية، فماذا سيكون موقف ترمب من كل ذلك؟ من المؤكد أن ترمب سيتبع سياسة أمريكية مؤيدة كلياً لإسرائيل”. فهل هذا قدر لا مناص منه؟
ماذا لو نحن طبقنا الشعار “أمريكا أولا” في الشرق الأوسط؟!!! هل – عندئذ – من المفترض الاستنتاج أنه من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية إيجاد حل “عادل” للقضية الفلسطينية باعتبار أن السياسة الإسرائيلية الراهنة تؤذي المصلحة الأمريكية العليا في هذا الشأن؟ وتزداد مشروعية السؤال خاصة وأن الرئيس (ترمب) أعلن قبل أيام أنه “حان الوقت لإعادة النظر في السياسة الخارجية الأمريكية بما فيها السياسة حيال الشرق الأوسط”، وذلك مباشرة بعد بيان نشره البيت الأبيض أشار فيه أيضاً إلى أنه “بالرغم من أن المستوطنات القائمة في المناطق المحتلة لا تشكل عائقاً أمام تحقيق السلام، فإن توسيعها وإقامة مستوطنات جديدة قد لا يكون مفيداً في كل ما يتعلق بدفع عملية السلام”. وكما هو معلوم للجميع،فإن معظم رؤساء حكومات العالم لم يبدوا تفاؤلاً باستلام (ترمب) منصبه كرئيس الولايات المتحدة الأمريكية باستثناء قلة من بينها رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتانياهو) والمستعمرون/ “المستوطنون” الذين يستعجلون الحصول على “هديتين” وعد بهما: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ودعم الاستعمار/ “الاستيطان” في الضفة الغربية.
خسائر الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في العقود الماضية كانت من أجل مصلحة إسرائيل. فالوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط تسبب بنتائج عكسية أدت لاستهداف هذا الوجود كرد فعل شجع على موجة ما زالت مستمرة من “الإرهاب”. كما أن أي تحرك دبلوماسي نحو قضية حل الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي بعيدا عن “حل الدولتين” تحرك لا جدوى منه وبالذات مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وتسمين المستعمرات/ “المستوطنات” فيها. وكان(ترمب) قد كشف مبكرا عن تحيزه لإسرائيل في تصريحاته خلال الحملة الانتخابية، بدأها بوعده نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، كما سارع بتعيين (ديفيد فريدمان) في منصب سفير واشنطن في تل أبيب، أحد أبرز مؤيدي إسرائيل وخاصة سياستها “الاستيطانية” المرفوضة دوليا. كما أن (ترمب) نفسه وزوج ابنته رجل الأعمال اليهودي (جاريد كوشنر) من بين المتبرعين لمنظمة “الأصدقاء الأمريكان لبيت إيل” الداعمة “للاستيطان”. فهل هذه كلها تصرفات تصب في مصلحة ” أمريكا أولاً؟!!
في مقال حديث له، كتب المحلل السياسي (آريئيل بولشتاين) يقول: “لقد بدأ أوباما ولايته بـ”خطاب القاهرة” السيئ الذكر، الذي حاول فيه مد يده إلى الإخوان المسلمين. ويبدأ ترمب ولايته بلقاء مع رئيس حكومة إسرائيل. يا له من فرق كبير”. ويضيف: “تحديد موعد للاجتماع مع نتنياهو (15 الجاري) يحمل رسالة رمزية سواء بالنسبة إلى إسرائيل أو بالنسبة الى رئيسها مفادها: إسرائيل هي من الحلفاء المهمين للدولة العظمى. وكان ترمب قد وعد أن الأمور ستتغير بصورة جذرية، ولن تضطر إسرائيل إلى الخوف من خيانة أكبر أصدقائها. الآن حانت مرحلة تحقيق الوعود، وكما شاهدنا جميعاً في الموضوعات الأخرى، فإن الرئيس الأمريكي الجديد ممتاز في الوفاء بوعوده”. لكن (بوكانان) أظهر حصافة عالية حين ختم مقاله السابق بالقول: “إذا مضى ترمب قدماً باتباع سياسة الدعم المطلق لإسرائيل، فسوف ينتهي الأمر بأن يصبح الصديق الوحيد لإسرائيل، وأن تصبح إسرائيل الصديق الوحيد لأمريكا في الشرق الأوسط. وهذا يفرض علينا سؤالاً لا بد من الإجابة عنه: هل ستصطدم سياستنا أمريكا أولاً بسياسة نتنياهو إسرائيل أولاً”؟
لقد أفنت الولايات المتحدة عقودا من الدعم المادي والسياسي والدبلوماسي والعسكري الدسم والفعّال لإسرائيل. وكل ذلك جاء على حساب الشعب الفلسطيني والامة العربية وضرب عميقاً في صورة ومصالح الولايات المتحدة. والآن، ووفقاً للطروحات المعلنة،هل تطلب إدارة (ترمب) من اسرائيل، وتحديداً من أجل مصالح “أمريكا أولا”، ثمنا مستحقاً للفلسطينين والعرب مقابل كل هذا السخاء الأمريكي؟!!