“الهستيريا” الإسرائيلية تجاه قرار مجلس الأمن: وقائع ونتائج

منذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي (2334) ضد الاستعمار/ “الاستيطان” الإسرائيلي، أكد مراقبون إسرائيليون وغربيون وغيرهم على أن رئيس حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل يتصرف بشكل هستيري، في ظل ما اعتبره (وحكومته) إهانة قاسية رتبها الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) قبل مغادرته “البيت الأبيض”. وتجلت الهستيريا بشكل عام في المشهد الإسرائيلي، على ألسنة/ إجراءات الزمرة الحاكمة، ضد كل من أيد القرار الأممي، خاصة مع قرب مؤتمر باريس والتخوف الإسرائيلي من معايير توضع فيه للعودة إلى المفاوضات حول الاتفاق دائم، مع تبيان خطوط أساسية للدولة الفلسطينية المستقبلية، وفق ما تطرحه فرنسا.

 

في “حفلة الهستيريا” ضد الفلسطينيين وغيرهم، عاد وزير “الدفاع” (أفيغدور ليبرمان) إلى نفس الطروحات الكلاسيكية التي اعتدنا عليها وفي طليعتها “اللاسامية”، والممارسات المتغطرسة وفي مقدمتها سياسة “الرد القوي”، حيث أمر بوقف الاتصالات المدنية مع السلطة الفلسطينية “التي تكره وتهدد الوجود الإسرائيلي”، معتبرا ما تعد له فرنسا من “مؤتمر دولي” في باريس هو “محاكمة درايفوس بطبعة عصرية، مع فارق واحد أن هذه المرة يجلس على كرسي الاتهام بدل يهودي واحد، كل (شعب إسرائيل) وكل دولة إسرائيل”!!! كما ألغى رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو) زيارة نظيره الأوكراني، وأعلن أنه لن يحضر اللقاء المخطط مع نظيرته البريطانية، وأعاد سفيرين من نيوزلندا والسنغال، ومنع زيارة الوزراء الى دول أخرى “تجرأت على العصيان” ودعمت مشروع القرار الأممي، واعتبر بغطرسة مفرطة أن الرد الإسرائيلي المتشدد هو الذي سيعلم الآخرين ويغير طرق تعاملهم معها لاحقا: “لا توجد أي حكمة سياسية بالخنوع. دول العالم تحترم الدول القوية التي تصر على مواقفها ولا تحترم الدول الضعيفة التي تخنع وتحني رأسها”!!! من جانبه، قال (مايكل أورين) السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة: “العائق الحقيقي أمام السلام هو التحريض الفلسطيني وليست المستوطنات الإسرائيلية. إنه قرار ليس معادياً لإسرائيل فقط. إنه قرار معاد للسامية أيضاً”. كما كشفت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي (تسيبي حوتوبيلي) “الليكود” الأطماع الإسرائيلية إذ أعلنت: “التوقيت الحالي ملائم لفرض السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، علينا دعم القانون الإسرائيلي لأعمال البناء في هذه المناطق، فلا أحد يفرض على إسرائيل إملاءات لحل الصراع مع الفلسطينيين”.

شاركت أوساط إعلامية إسرائيلية واسعة بانتقاد (نتنياهو) بخصوص ردود فعله الهستيرية، وفي طليعتهم رئيس حزب “يوجد مستقبل” (يئير لبيد) الذي قال: “ما نحتاج اليه الآن هو تعزيز علاقتنا الخارجية وليس إضعافها. الإهانات العلنية ليست سياسة خارجية حكيمة. يمكننا العودة الى مكانة الفخر القومي، ولكن ليس مع القيادة الحالية ولا مع السلوك الهستيري الذي نشهده”. كذلك، قال رئيس “المعسكر الصهيوني” (يتسحاق هرتسوغ): “في ضوء سلوك نتنياهو في الأيام الأخيرة لا مفر من التشكيك بوعيه. لقد فقد السيطرة، وعليه إعادة المفاتيح والاستقالة”. أما افتتاحية صحيفة “هآرتس” فقد أوردت خير دليل على ما وصلت إليه إسرائيل اليوم: “كل شيء يتضح كجزء من خطوة واسعة وخطيرة للانفصال عن القانون الدولي ووقف اللعب حسب المبادئ. نتنياهو نفسه لا يتمالك نفسه من معاقبة العالم على أخطائه هو. حملة الهدم تجوب العالم في إطار جنون الاضطهاد السياسي المعروف لديه. المشكلة هي أن نتنياهو في طريقه هذا يجر وراءه دولة كاملة إلى الهوة”.

مع توالي الوقائع، يبدو أن القرار الأممي زاد من خطر ملاحقة إسرائيل على المستويين السياسي والعسكري أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. كما أنه سيقوي (حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS”) التي ستحظى بدعم معنوي وسياسي إضافي، الأمر الذي قد يترجم بخطوات قانونية وسياسية وجماهيرية واقتصادية. أيضا، يجب أن لا ننسى التقرير الذي من المفترض أن يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة كل 3 أشهر بشأن الموضوعات التي تطرق إليها القرار الأمني الأمر الذي سيعني أن القضية الفلسطينية عادت لتحتل أولوية أممية وهو ما يشكل الخسارة الأكبر للدولة الصهيونية. كذلك، من الخسائر الكبيرة، طرح القرار الأممي المشكلة الإسرائيلية كموضوع خلافي بين غالبية الديمقراطيين والجمهوريين وسط الجمهور الأمريكي، ما يؤثر على مقدار دعم الحزبين لإسرائيل، الأمر الذي سيعتبر مساسا بأبرز أسس “الردع الإسرائيلي” القائم على التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة.

في إسرائيل اليوم، “روح انتقامية جديدة”، عالمية هذه المرة، أعلنتها إسرائيل ردا على جميع من تجرأ بالتصويت لصالح القرار الأممي. وبدل رتق الفتق، تؤدي تصريحات وإجراءات الدولة الصهيونية لتوسعة الخرق. وهذه الأيام، يكثر الحديث الداخلي الإسرائيلي عن المكسب والخسارة مع ترجيح أن (نتنياهو) فشل في الردع. بل إنه قدم، بقصر نظر تجسد بالطريقة التي أدار فيها السياسة الخارجية الإسرائيلية، هدية ديبلوماسية إلى الفلسطينيين إن هم أحسنوا استغلالها. ونحن هنا نتحدث أساسا عن تبرئة القرار لهم أمام العالم الغربي بخصوص تحمل مسؤولية الجمود في عملية التسوية، وبأن الاسطوانة الإسرائيلية المشروخة “لا شريك فلسطينيا” باتت غير صحيحة.