تحديات ما بعد مؤتمر فتح السابع

من المتوقع والمأمول أن تكون أولوية حركة فتح: البدء فورا بتنفيذ قرارات وتوصيات المؤتمر العام السابع والتي كانت الحركة قد اعتبرتها بمثابة خطة عمل وخارطة طريق لها خلال الفترة القادمة. هذا، مع العلم أن كتابا وباحثين، ممن ليس لديهم موقف معاد لفتح، تمنوا لو شهدوا من الحركة تقييما ونقدا للذات ومراجعة للتجربة السابقة، مع رسم خطة توضح الخطوات التفصيلية لمواجهة الاحتلال وبالذات مسألة المقاومة الشعبية المطلوبة. وبغض النظر عن تعدد الآراء ووجهات النظر وحتى الاتهامات، يبقى أن واقع حركة فتح، وهي أحد أكبر تنظيمين في الساحة الفلسطينية، يهم بل ويخص كل فلسطيني، خاصة في ظل تزايد التقييمات الفتحوية وغيرها عن تراجع أصاب الحركة وكاد يفقدها وحدتها وتماسكها بعد اتهامها بالتحول من حركة تحرر وطني الى حزب سلطة، فيما يرى عدد من قيادييها أن موقعها الموضوعي حولها – قسرا – الى نظام سياسي، مقيد باتفاقات مع إسرائيل، الأمر الذي فرض عليها التزامات كبيرة قد لا ترضي كثيرين، لكنها التزامات يفترضون أنها ستعالج حثيثا في ضوء تطور القضية.

أما أبرز التحديات المحددة التي تواجه حركة فتح فهي:

أولا: كيفية مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المستمرة على الأرض وضد الشعب الفلسطيني: الاستعمار/ “الاستيطان”، ابتلاع الأرض، التهويد، القدس، اللاجئين، العودة، حق تقرير المصير من أجل إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، خاصة مع توجه إسرائيل أكثر نحو التطرف، لدرجة تلاشى معها ما كان يطلق عليه “معسكر السلام” الإسرائيلي، في ظل إنسداد أفق مسار المفاوضات وفرض إسرائيل الوقائع على الأرض. وهذا كله، يقتضي تفعيل المقاومة الشعبية للاحتلال الإسرائيلي الذي يجب أن لا يبقى احتلالا “مرتاحا” و”مزدهرا”!!! فمثلا، لماذا – ضمن خطوات نضالية أخرى – لا يتم استرجاع أمثولة العصيان المدني الفلسطيني في عام 1936 في مواجهة الاحتلال البريطاني المباشر والمتواكب مع الاحتلال “الاستيطاني”/ الاستعماري الصهيوني الزاحف.

ثانيا: ولإنجاز ذلك، وغيره، بات ضروريا التئام اللجنة التحضيرية لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي وفق الصيغ المتفق عليها سابقا. بل مطلوب إشراك الكل الفلسطيني في الوطن وفي الشتات، ما يساهم في الخروج من حالة الانقسام الفلسطيني/ الفلسطيني وتوحيد الجهود للتصدي للاحتلال، مع تفعيل “دوائر منظمة التحرير، والحفاظ عليها كبيت سياسي ومعنوي لأبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، والمصالحة والخروج من الحالة الإنقسامية وهو ما أكده البيان الختامي لمؤتمر الحركة. ويتطلب الوضع القائم وقفة “إصلاح” يأتي ضمنها إصلاح وضع “اللجنة التنفيذية” وبخاصة أنها تمثل القيادة الأعلى اليومية للشعب الفلسطيني، رغم أنها – هي نفسها – مسؤولة أيضا عن “خطف” صلاحياتها وانحسار دورها.

ثالثا: عدم الارتكان إلى الأجواء الإيجابية التي ظهرت بين حركتي فتح وحماس خلال المؤتمر بفضل اللغة والنبض الإيجابيين في رسالة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (خالد مشعل) إلى المؤتمر، وبالتالي ضرورة المسارعة إلى إنهاء الخصومة الفصائلية لصالح الشراكة الوطنية الحقيقية، إما باتفاق أو عبر الانتخابات الشعبية المباشرة بهدف استعادة الوحدة الوطنية، هذا إن سمحت إسرائيل بإجراء تلك الانتخابات.

رابعا: وفي حال استعصاء المصالحة التي هي أولوية الأولويات، يتوجب تركيز الجهود على عقد “المجلس الوطني الفلسطيني” بأقصى درجات الحرفية القانونية والمهنية والمسؤولية الوطنية. ذلك أن عدم عقد “المجلس” سيعتبر أمرا كارثيا في حال حدوث فراغ في رئاسة “المنظمة”، وكذلك في “التنفيذية” التي تقدمت أعمار رجالاتها ومضى عليهم فترة طويلة في مواقعهم دون تجديد، علما بأن ضعف حركة التجديد القيادي هذه تشمل واقع جميع فصائل منظمة التحرير.

خامسا: تحريك الساحة الدولية، وتفعيل استراتيجيات بديلة لاستراتيجية التفاوض، بالذهاب مجددا وبكثافة وديمومة إلى الأمم المتحدة في إطار ونقل ملف القضية إليها. وكان الرئيس (محمود عباس) قد أظهر أن “الأولوية الحقيقية لديه هي العمل السياسي والديبلوماسي”، متعهدا بالانضمام إلى 520 مؤسسة دولية، مع تفعيل عضوية فلسطين في المؤسسات التي انضمت إليها، خصوصا محكمة الجنايات الدولية. وكذلك، طرح مسألة الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية على مجلس الأمن، ودعم حركة مقاطعة الاحتلال الاسرائيلي حول العالم BDS (“حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات”) التي نجحت باستقطاب آلاف المؤيدين، وأثارت قدرا لا بأس به من الغضب والخوف معا في إسرائيل عقب تسببها بخسائر سياسية وإعلامية ومعنوية واقتصادية مهمة للدولة الصهيونية.

سادسا: ضرورة بذل كل جهد ممكن من أجل إعادة صياغة الوضع العربي والإقليمي الذي لا يصب حاليا في صالح القضية الفلسطينية، ومحاولة إعادة قضية فلسطين إلى موقعها المركزي السابق واعتبار إيجاد الحل لها هو الأساس في التعاطي مع أي من القضايا الأخرى.