دولة الإمارات: قصة نجاح تستحق أن تروى

“إن هذا الاتحاد الذي نعيشه اليوم واقعا حضارياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً ما كان هبة أو منحة وما كان مناله سهلا يسيرا”. ما سبق، والذي جاء على لسان سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2005، يفسر نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة في عديد المجالات، والذي هو نجاح لم يأت من فراغ بل بجهد متواصل وفكر خلاق وإيمان رجال تحدوا واقع الفرقة العربية. والحديث عن نجاح تجربة دولة الإمارات، وما حققته من إنجازات سياسية واقتصادية وثقافية على المستويين العربي والعالمي خلال 45 عاماً، تثبت فعالية معنى الوحدة وقدرتها على تخطى العقبات بسلاسة، هذه الوحدة التي طالما كانت هدفاً وحلماً سامياً يراود العرب على اختلاف معتقداتهم ومذاهبهم السياسية، حيث – كانت الأمنية – أن يندمج العرب في إطار سياسي واقتصادي واحد يزيل الحدود وينشئ دولة قوية اقتصادياً وبشرياً وعسكرياً.

لكن كيف حققت دولة الإمارات هذه الانجازات؟ وكيف تغلبت على جميع التحديات رغم نزاعات المنطقة المشتعلة على مدى عقود من الزمن؟

الإمارات اليوم، تسير – مستخدمة القاعدة الاقتصادية والمالية القوية والصلبة التي تملكها – بثبات وفق ضوابط ومعايير تؤسس لنموذج اقتصادي يستند على المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، مع ترسيخ نهج الانفتاح السياسي والاقتصادي والثقافي على العالم، وتدعيم علاقات الدولة السياسية المتوازنة إقليميا ودوليا. ورغم حساسيات السيادة الخاصة بكل إمارة، إلا أن الإيمان المتبادل بين القيادة والشعب من جهة والرؤيا المستقبلية لهذا الاتحاد من جهة ثانية، وضع دولة الإمارات على الخارطة العربية والعالمية. فبعد 45 عاما على تأسيسها، أصبحت الإمارات واحة للرخاء والتقدم في منطقة نادرا ما شهدت استقرارا، وبات اقتصادها الأكثر تنوعاً بين اقتصادات الدول العربية والإقليمية، ونجحت في بناء أفضل بنية تحتية في العالم العربي تستقطب أفضل وألمع الكفاءات العالمية. بل هي دولة تشهد على مدار الساعة تحولات جذرية في شتى القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية وفق استراتيجيات طموحة، تهدف إلى توظيف الإمكانات المتاحة لتحقيق التنمية المستدامة. ففي أحدث تقرير للتنافسية العالمية 2016، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس”، حققت الإمارات المركز الأول إقليميا و16 عالميا في التنافسية العالمية، حيث اعتبرت ضمن أفضل 20 اقتصادا في العالم للسنة الرابعة على التوالي، متفوقة على اقتصادات متقدمة مثل فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة. بل إنها صنفت ضمن قائمة الاقتصادات المبنية على الابتكار للسنة التاسعة على التوالي، وحازت المرتبة الأولى عالمياً، وللسنة الثالثة على التوالي، في مؤشر ثقة الشعب بالحكومة وفق تقرير “أدلمان” للثقة 2016.

لم يعرف العرب في التاريخ المعاصر الوحدة، حيث فشلت محاولات عديدة على رأسها الوحدة بين كل من مصر وسوريا من جهة وبين العراق والأردن من جهة أخرى. ولعل من العوامل الرئيسة في هذا النجاح يتمثل فى قيادة مستنيرة، ترى في نجاح كل إمارة نجاحا للدولة. وليس أكثر تدليلا على الواقع الإماراتي إلا طريقتها في الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في أيلول/ سبتمبر 2008، وعصفت بالولايات المتحدة الأمريكية لتشمل بعد ذلك دول العالم أجمع، والتي اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير عام 1929. فقد أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة قدرة اقتصادها على احتواء تداعيات الأزمة المختلفة رغم انعكاساتها السلبية الكبيرة، رسخها الشيخ خليفة للحفاظ على الوحدة واحتواء آثار الأزمة العالمية، في وقوف أبوظبي إلى جانب دبي التي تضرر قطاعاها العقاري والمالي بشكل كبير نتيجة هبوط أسعار الوحدات العقارية ومراكمة الديون. بل إن “الإمارات” جعلت من “الأزمة” إياها “فرصة” لتعزيز وتعميق معنى الوحدة فازدادت حضورا ومنعة.

ولربما الأجمل في تجربة الإمارات ذلك التناغم بين القيم العربية الشرقية والتكنولوجيا الغربية الحديثة. وهذا الأمر الأخير رفع واقعها إلى مستوى معيشي يضاهي مستويات معيشة أرقى دول العالم.

عديدة تلك الدول التي تمتلك ثروات طبيعية أو بشرية لكنها ظلت ترواح مكانا ولم تتقدم، أما دولة الامارات العربية المتحدة، فقد باتت تفرض نفسها على الساحة العالمية بفضل خطط استراتيجية تخضع وبشكل مستمر للتقييم والتطوير في ظل تطبيق صارم لصيغة “دولة القانون والنظام” حيث تساوت الواجبات والعقوبات على جميع من يعيش على أرضها سواء كانوا من المواطنين أو من الوافدين. وعليه، أفرزت تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة مسيرة حافلة بالعمل والانجاز تراكمت لبناء دولة ناهضة باستمرار.