بانوراما المقارفات الإسرائيلية: مشاهد قديمة وجديدة

يقترب العالم تدريجيا من الاقتناع بأن إسرائيل هي دولة كما يراها الفلسطينيون: دولة محكومة بعقائد دينية خرفة وأيديولجية صهيونية فاشية. ورغم ذلك يستمر جنون الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتطرفة التي لا تزال تصر على عدم رؤية قبح سياساتها فتتوغل بعيدا في العقلية العدوانية العنصرية ذاتها. والمتابع للمقارفات الإسرائيلية في فلسطين التاريخية من رفح حتى الناقورة، لا يسعفه الوقت في توثيق كل هذه المقارفات التي تستهدف جميعها اقتلاع الإنسان الفلسطيني من أرضه عبر التضييق عليه في كل مناحي الحياة اليومية في اختراق فاضح لقانون حقوق الإنسان وفق مقولة صهيونية تاريخية قوامها: “سكان أقل… وأرض أكثر”!. وعلى سبيل المثال، لا الحصر. ومن الأدبيات الإسرائيلية ذاتها:

أولا: مواصلة استخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين الذين يشاركون في المسيرات السلمية، ومعظمهم من الأطفال والفتية. وبالإضافة إلى الإعدامات الميدانية، وتعمد جنود الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا اطلاق الرصاص الحي على سيقان الشبان الفلسطينيين وبالتحديد على الركبتين، كما حدث مثلا في الاقتحامات الأخيرة لمخيم الدهيشة جنوب بيت لحم ومخيم الفوار جنوب الخليل وقرية “تقوع” بحيث يبقى معظمهم أو بعضهم معاقا طوال حياته.

ثانيا: هجمة شرسة غير مسبوقة على القدس والمسجد الأقصى المبارك وباحاته، حيث أقرت وزارات وهيئات الاحتلال مؤخرا (هي الأمن الداخلي والأديان والسياحة بالتعاون مع بلدية الاحتلال ودوائر أخرى) مشروع “القطار الهوائي” الذي سيربط بين باب المغاربة وجبل الزيتون، ويشمل المخطط مرور القطار في عدد من مناطق القدس المحاذية للأقصى، إضافة لبناء محطات استقبال وتوسيع الطرق بنفس الاتجاه وباتجاه منطقة باب النبي داود وباب الخليل. ويأتي هذا المشروع ضمن 19 مشروعا “استيطانيا” تهويديا، تعكف وزارات الاحتلال على تنفيذها، والتي تتركز معظمها في المنطقة الجنوبية من البلدة القديمة، بتكلفة تزيد عن 400 مليون دولار عند اكتمالها في عام 2030.

ثالثا: جرائم الاستعمار/ “الاستيطان” والتجريف واعتداءات “المستوطنين” على الفلسطينيين وممتلكاتهم. فعلى الأرض، لا يكاد يمر أسبوع دون إعلان حكومة الاحتلال عن مخططات “استيطانية” جديدة. وفي نهاية آب/ أغسطس الماضي، أعلن عن البدء بتنفيذ أكبر مخطط “استيطاني” لفصل الضفة الغربية وتحديدا في سلفيت وضواحيها وانتهاء بمنطقة الاغوار الشمالية، يبدأ من مستعمر “آرائيل” -كبرى المستوطنات- جنوب غرب نابلس شمال الضفة، انتهاءً بمنطقة الاغوار، حيث تم اصدار عدة قرارات بالمصادقة على المخططات الهيكلية لمستعمرات/ “مستوطنات” “شيلو وعيليه ورحاليم وشفوت راحيل” وعدة بؤر “استيطانية” سيتم شرعنتها على حساب مصادرة الاف الدونمات من أصحابها.

رابعا: مواصلة فرض سياسة الحصار غير القانوني على الأرض الفلسطينية المحتلة، لتكرس واقعاً غير مسبوق من الخنق الاقتصادي والاجتماعي، لتحكم قيودها على حرية حركة وتنقل الأفراد، ولتفرض إجراءات تقوض حرية التجارة، بما في ذلك الواردات من الاحتياجات الأساسية والضرورية لحياة السكان وكذلك الصادرات من المنتجات الزراعية والصناعية.

خامسا: استهداف مبرمج للمؤسسات التعليمية في فلسطين 48 والقدس، بهدف الهيمنة على التعليم والمدارس للتحكم في العملية التعليمية ومخرجات التعليم وفي الاجيال الناشئة، وربما تكون هذه من أخطر المعارك كونها تستهدف الأجيال الناشئة والتعليم وطمس الهوية والتاريخ، وهي بمثابة إعلان حرب على الهوية الفلسطينية للمدارس العربية، ومحاولة لتهويدها ومصادرة أبسط حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي تكفل حق المجتمعات المحتلة في الحفاظ على هويتها وحريتها في اختيار ثقافاتها ومناهجها.

سادسا: مع مواصلة سياسة الحصار المفروض على قطاع غزة، واستهداف صيادي الأسماك الفلسطينيين، وملاحقتهم في عرض البحر، أكدت منظمات حقوقية إسرائيلية معروفة أن إسرائيل تفرض على سكان غزة الفلسطينيين (1.8 مليون إنسان) العيش تحت خط الفقر من خلال الحصار الذي بدأ قبل عشر سنوات. وتحذر من التحريض على منظمات الإغاثة لهم. وفي بيان مشترك أوضحت هذه المنظمات الحقوقية أنه بعد نحو عشر سنوات من الحصار والجولات المتكررة من الحرب، فإن “الوضع الاقتصادي في قطاع غزة على شفا الانهيار ويسجل أعلى معدلات البطالة في العالم، وبنيته التحتية مدمرة، ومياهه ملوثة بالإضافة لانتشار الفقر”.

سابعا: وأخيرا، وليس آخرا، يكاد لا يمر يوم دون أن تتجلى مظاهر العنصرية والحض على العنف بدعوات المعقبين في الإنترنت وفتاوى حاخامات علاوة على الإعلام دون محاكمة المتورطين بذلك. وفي المقابل، يعتقل فلسطينيون على طرفي الخط الأخضر لنشر خبر ما على الفيسبوك أو قصيدة. وأحد هؤلاء الشاعرة (دارين طاطور) من بلدة الرينة قضاء الناصرة اعتقلتها إسرائيل بسبب قصيدة شاركتها عبر الشبكات الاجتماعية عنوانها “انتفضوا أبناء شعبي انتفضوا”. واعتقال (طاطور) ليس حالة فردية، فوفق منظمات حقوقية محلية، اعتقلت السلطات الإسرائيلية نحو 400 فلسطيني من أراضي 48 خلال نصف العام الأخير بسبب كتابات نشروها على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي.