“وسائل التواصل الاجتماعي”: حليف جديد للشعب الفلسطيني؟
“معركتنا الأساسية يجب أن تتركز ضد مواقع التواصل الاجتماعي التحريضية والإعلام الفلسطيني”. هذا ما قاله رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) بعد أسبوع فقط من المواجهات العنيفة (بين قوات الاحتلال والفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين) التي انطلقت في تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي معلنة انبثاق “الهبة الفلسطينية”.
وفي فترة ما قبل انطلاق “الهبة”، وصفت جهات عديدة وسائل التواصل الاجتماعي في فلسطين بأنها أداة لتفريغ الغضب والكبت لدى الفلسطينيين، جراء مقارفات الاحتلال بشكل عام خاصة تجاه المسجد الأقصى، أو قبل ذلك خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة. أما اليوم، فقد دخلت هذه الوسائل على خط المواجهة مع الاحتلال بقوة، وأصبحت عاملاً مؤثراً في مجريات الأحداث، الأمر الذي أجبر الاحتلال على بدء حربه الجديدة على الفلسطينيين من خلال الفضاء الإلكتروني. وفي السياق، شن عدد من وزراء حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي هجوما على شبكة “الفيسبوك” بادعاء أنها داعمة “للإرهاب”. وقد نشر وزير التعليم (نفتالي بينت) من حزب “البيت اليهودي”، خطته الداعية إلى وقف ما يسميه “الإرهاب الفيروسي”، مدعيا أنه “يدفع نحو عمليات يسيطر عليها عامل التقليد والاقتداء الذي يصل عبر الشبكات الاجتماعية”. وقال وزير الامن الداخلي الإسرائيلي (غلعاد اردان) إن “الفيسبوك حقق ثورة إيجابية في العالم، لكنه لبالغ الأسف تحول إلى وحش”. وأضاف أنه “يجري القيام بكل حوار التحريض والأكاذيب الفلسطينية عبر منصة الفيسبوك”!!!
منذ بزوغ فجر “الهبة” برزت صفحات إخبارية فلسطينية تغطي الأحداث تقدم معلومات فورية وتفصيلية عن المواجهات وعمليات المقاومة، وتنشر صور الشهداء والمصابين، فأضحت وسائل التواصل الاجتماعي هذه أداة فعالة لتحريك الشارع الفلسطيني. وللرد على ذلك، أنشأ جيش الاحتلال الإسرائيلي في نهاية 2015، منظومة لرصد الشبكات الاجتماعية هدفها الوصول إلى الجهات المحرضة على الاحتلال واعتقالها. كما عملت شرطة الاحتلال بطريقة مشابهة في القدس المحتلة. وبالأرقام، ووفق إحصائيات 2015، يصل عدد مستخدمي الفيسبوك في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ما يقارب مليوناً ونصف المليون، منهم 840 ألفاً من الذكور، و600 ألف من الإناث. ومن بين مستخدميه، بلغ عدد الشباب في الفئة العمرية (15-29 عاماً) نحو مليون وستين ألفاً، منهم 580 ألفاً من الذكور، و460 ألفاً من الإناث.
هذه الأرقام تؤشر على الدور الفاعل الذي يمكن لموقع مثل “الفيسبوك” أن يلعبه. ورغم استبعاد استجابة أي محكمة لأي دعوى (ذلك أن “فيسبوك” وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي ليست سوى قنوات لتمرير مضامين) تقدمت المنظمة الإسرائيلية “شورات هدين” غير الحكومية المتخصصة في الشؤون القانونية بدعوى قضائية في محكمة نيويورك بهدف إلزام موقع “فيسبوك” بإزالة ما أسمته “مواد تحريضية نشرها (مخربون)”. وكما هو معروف، يخول القانون الأمريكي المحاكم صلاحيات واسعة في مجال ما يسمى “مكافحة الإرهاب”، ما أجبر إدارة موقع “فيسبوك”، مجددا للمرة السادسة، إلى إغلاق عدد كبير من الصفحات التابعة للمقاومة الفلسطينية، وخاصة تلك التابعة لحركة حماس، من بينها صفحات “الحركة” في كافة محافظات الضفة الغربية، إضافة إلى صفحة موقع “أمامة الإخباري” وصفحات “الكتلة الإسلامية” في كل من جامعات النجاح، بيرزيت، القدس، الخليل، البوليتكنك، الأمريكية، خضوري، بيت لحم، الأهلية، وكلية دار المعلمين. كما أوقفت إدارة “فيسبوك” حسابات عشرات الناشرين والمديرين المشرفين على تلك الصفحات التي أغلقتها في محاولة لإرضاء الحكومة الإسرائيلية.
وفي السياق، لخص (آفي يسخاروف) محلل شؤون الشرق الأوسط في “تايمز أوف إسرائيل” الموقف الإسرائيلي من وسائل الاتصال الاجتماعي فكتب يقول: “في نهاية المطاف، العدد الهائل من صفحات الفيسبوك التي تعمل على تأجيج التوترات جعل من مهمة أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية في عرقلة جهود التحريض هذه مهمة صعبة. فبمجرد أن يتم إغلاق صفحة واحدة، يتم فتح صفحات كثيرة أخرى بدلا منها”.
الدولة الصهيونية، وكما عهدناها، تحاول دائما الظهور بمظهر الضحية. وبخصوص ما نحن بصدده، نراها تسوق لفكرة أن ما يكتبه الفلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي تحريض على “العنف” و”الكراهية”، متجاهلة مئات الآلاف من الكتابات الإسرائيلية التي تحرض على قتل الفلسطينيين والعرب التي لا تصدر فقط على لسان إسرائيليين عاديين بل على لسان وزراء ومسؤولين وحاخامات. إن فكرة “فيسبوك”، وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، قائمة على تجاوز الحدود، ومراقبتها وإخضاعها يفقدها سحرها، فأنت على الإنترنت يمكنك أن تنشر أي مضمون دون محرر أو رقيب فيصبح عابرا للحدود، وما خوف الدولة الصهيونية من وسائل التواصل الاجتماعي إلا نتيجة الدور الكبير الذي يؤديه إعلام المقاومة. فهل أصبح للشعب الفلسطيني حليف جديد بعد أن تخلى عنه حلفاء عديدون، عربا وأجانب؟!