هل فشل الرهان الإسرائيلي بإنهاء “الهبة الفلسطينية”، ولماذا؟
لقد أذل استمرار “الهبة الفلسطينية” منذ بداية تشرين/ أكتوبر أول 2015، وحتى اللحظة، الاحتلال وحكومته، التي لا تملك سوى ردود الأفعال. فبعد عمليات الخليل الأخيرة، شددوا الحصار المفروض على المدينة والبلدات المحيطة بها كسياسة عقاب جماعي طالت نحو (700) ألف مواطن، فيما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) “إنه بصدد إصدار تعليمات تنص على خصم (سرقة – لا خلاف) مخصصات أسر الشهداء التي تدفعها لهم السلطة الفلسطينية من عائدات الضرائب”، معتبرًا هذه المبالغ “تشجيعا للإرهاب”. كما سحبت سلطات الاحتلال نحو (2700) تصريح عمل من سكان بلدة بني نعيم في محافظة الخليل، كذلك أغلقت مداخلها ومخارجها ومنعت معظم الناس من الدخول والخروج. في هذا السياق، وفي مقال بعنوان “حكومة إسرائيل تفضل التعايش مع العمليات”، كتب (ميخال اهاروني) يقول: “على مدى أشهر تدور رحى انتفاضة ثالثة ولا أحد يفعل شيئا. على مدى اشهر يتجول في الشوارع منفذو العمليات، اطفال وشبان يحملون السكاكين والبنادق، يستهدفون أرواح اليهود. يزرعون الخوف، يقضمون من نمط الحياة العادي، تحركهم الكراهية والاحساس بالثأر”. ويضيف: “تعرف حكومة اسرائيل بأنه ستقع عمليات اخرى وهي تأخذ هذا في الحسبان. من ناحيتها، طالما يدور الحديث عن عدد مقبول من المصابين، عن إحساس جماهيري بأن هذا هو الموجود، فانه أفضل من أي محاولة لخلق مسيرة سياسية. فالمحاولة الصغرى للشروع في مفاوضات ستمس الحكومة بقدر اكبر بكثير من أي عملية، مهما كانت مؤلمة وفظيعة. نتنياهو ووزراؤه يفهمون هذه المعادلة على نحو ممتاز، وهذه مأساتنا جميعاً”!!! ومع ذلك، تصر الحكومات المتعاقبة في إسرائيل على استمرار الاحتلال مبررة ذلك بأنه “احتلال دفاعي عن إرث ديني، يرتكز في الدعوة إلى أرض إسرائيل التي تجمع كل يهود العالم، وحدودها من النيل إلى الفرات”. ومثل هذا الإصرار له ثمن! وبالإضافة إلى تكلفة الأرواح وحالة الرعب المتنامية في الكيان الصهيوني ونتائجها على الهجرة الوافدة وعلى الهجرة المعاكسة، بات معروفا أن ثمن الاحتلال الاسرائيلي وتأثيراته على الداخل الاسرائيلي كبير جدا منها دفع قضايا مركزية اقتصادية واجتماعية نحو الهامش، وهو الأمر الذي بات يشكل بؤرة تحشيد سياسي ضد الحكومة الإسرائيلية. واليوم، وكدليل على إفلاس جديد لحكومة الاحتلال، نراهم يحاولون تبني قانون يجيز حجب مواقع على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، وشطب مواد من مواقع التواصل الاجتماعي، بذريعة “التحريض وتأييد الإرهاب”، وهو قانون يعكف على إعداده (جلعاد اردان) وزير الأمن الداخلي، وسيئة السمعة والصيت (إيليت شاكيد) وزيرة “العدل”. وينص مشروع القانون الجديد على “إزالة تفوهات ومواد تحريضية من شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وحجب مواقع تحريضية مؤيدة للإرهاب”.
من جهتها، كتبت أسرة تحرير صحيفة “هآرتس” تقول: “ليس في وسع أحد الادعاء بأنه تفاجأ، فموجة العنف الحالية التي وصفت بأنها انتفاضة ثالثة لم تخمد، وعلى ما يبدو لن تخمد بسرعة. فلقد سارع رئيس الحكومة ووزير الدفاع إلى اعلان مجموعة خطوات عقابية جماعية ضد السكان الفلسطينيين في المناطق الفلسطينية المحتلة، في حين تسابق وزراء الحكومة في ما بينهم على من يطلق الموقف الأكثر تطرفاً”!!! وأوضحت الصحيفة أن: “كل هذا سيزيد فقط من الاحباط والكراهية لدى الذين فرض عليهم العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفي النهاية سيدفع بالمزيد من الشباب نحو الإرهاب. إن السبيل الوحيد لمواجهة الارهاب هو من خلال تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال”. أما (جدعون ليفي) الكاتب اليساري الإسرائيلي فكتب يقول: “الإسرائيليون يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار ويحق لهم ان يعملوا ما يشاءون ضد الشعب الفلسطيني ويعتبرون أنفسهم ضحية وليس الفلسطيني هو ضحية الاحتلال. ان إسرائيل لديها ثلاثة أنظمة: واحد للإسرائيلييين، وواحد للفلسطينيين في إسرائيل، وثالث للنظام الابارتيدي في الضفة الغربية وغزه وهذا أكثر الأنظمة وحشية في العالم”. وبالفعل، فإن العمليات الأخيرة في الخليل أكدت فشل كافة اجراءات الاحتلال في قمع “الهبة”، بل وقدرة الشباب الفلسطيني على عنصر المفاجأة في قلب المستعمرات/ “المستوطنات، فمهاجمة مستعمرة كريات اربع التي تضم الصهاينة الأشد تطرفا منذ تأسيس الدولة الصهيونية ليس بالأمر اليسير ويؤشر على أن “الهبة” مرشحة للتصاعد وبقوة. وما قيام الدولة الصهيونية بإذكاء نار “الهبة” الفلسطينية يوميا بمقارفاتها سوى عبث في عبث وذلك على قاعدة أن القمع يستولد الكفاح.
إذن، وكما توضح كتابات متزايدة من سياسيين وجنرالات وإعلاميين بارزين إسرائيليين، فإن “هبة ترويع الإسرائيليين” الفلسطينية لم ولن تنتهي، مثلما أنه لن يستطيع أحد إطفاء نيرانها المشتعلة طالما هناك احتلال. وكل من كان يراهن على وقفها والسيطرة عليها بات واهماً الان، وليس لدى الدولة الصهيونية أمام هذه “الهبة” سوى فرض العقوبات الجماعية التي لا يختلف اثنان على أنها لن تؤدي إلى وقف وكبح الهجوم المنفرد الذي قد يقدم عليه أي فلسطيني، دون وجل من الظروف المحيطة في الزمان والمكان.