هل يكسر الشباب الفلسطيني قيود قيادات عجوزة… وعاجزة؟!!!
متوسط مشاركة الشباب في هيئات منظمة التحرير الفلسطينية العليا منذ نشوئها لم يتجاوز 4,7%، فيما حظي شابان فقط برئاسة وزارة من أصل 250 وزيراً تعاقبوا على حكومات شكلتها السلطة الفلسطينية منذ نشأتها في 1994 حتى تشكيل حكومة التوافق الوطني الحالية. كذلك، يبلغ عدد النواب من الشباب في المجلس التشريعي خمسة فقط، اثنان منهم كانا في المجلس التشريعي المنتخب عام 1996، وثلاثة آخرون في المجلس الأخير المنتخب في 2006، قبل أن يعطل الانقسام الفلسطيني/ الفلسطيني العملية الديموقراطية بالكامل. هذا ما أكده معهد “دراسات التنمية” في جامعة بيرزيت في رسمه لخريطة وجود الشباب الفلسطيني في مواقع صنع القرار.
لقد أظهرت إحصاءات جهاز “الإحصاء المركزي الفلسطيني” حول واقع الشباب الفلسطيني في فلسطين لعام 2015 أن “نسبة الشباب (15-29 سنة) في فلسطين بلغت 30.0% من إجمالي السكان، يتوزعون بواقع 37.4% في الفئة العمرية (15-19 سنة) و62.6% في الفئة العمرية (20-29 سنة)، وبلغت نسبة الجنس بين الشباب 104.1 ذكور لكل 100 أنثى”. كما بين التوزيع العمري للسكان، بحسب “جهاز الإحصاء”، أن “المجتمع الفلسطيني مجتمع فتي حيث الهرم السكاني هرم ذو قاعدة عريضة ورأس مدبب، ما يعني أنه، ولسنوات قادمة، سيبقى فتياً”. ومع ذلك، لا نرى شبابا فلسطينيين في مواقع قيادية هامة في الفصائل أو ضمن العمل السياسي رغم أنهم وقود أي تحرك شعبي جماهيري ضد الاحتلال، وبخاصة في ظل الهبة الفلسطينية المستمرة. لقد كان هذا الشباب هو من رسخ، منذ سنوات، المقاومة الشعبية السلمية في قرى وبلدات الضفة الغربية بدءا من بعلين ونعلين مرورا بالمعصرة والنبي صالح وغيرها، ضد الاستعمار/ “الاستيطان” وجدار الفصل العنصري والذي جعلها تحصل على مؤيدين من جميع أنحاء العالم، ما يؤكد قدرتهم على إثبات دورهم في المجتمع وعلى وعيهم السياسي، بل امتلاكهم المبادرة للضغط من أجل إنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية. كما كانوا هم من أنشأ وتابع حركة مقاطعة الاحتلال الاسرائيلي حول العالم BDS (حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات).
لا خلاف على أهمية المشاركة السياسية لدى الشباب. وقد حان الأوان، كي لا نقول أن الأمر بات متأخرا، لإفساح المجال أمام الشباب كي يشاركوا في الحياة السياسية باعتبارهم أداة فاعلة من أدوات تفعيل النضال والديمقراطية في المجتمع لإحداث التغيير ورسم السياسات المستقبلية وصناعة القرار. فالشباب هم العنصر الأساسي الأول في أي عملية لإعادة البناء. لكن الوضع الفلسطيني الراهن مغاير تماما: فالشباب أضحى أكثر بعدا عن الحياة العامة السياسية، بعد أن فقد بعضه الأمل في التغيير، وتقاعس البعض الآخر عن تطوير ذاته للدفاع عن مصالحه في وجه تمسك قيادات متقدمة في السن بمواقعها لأسباب عدة منها الحفاظ على مصالحها المكتسبة، مع تراجع مؤسسي في دور الفصائل والأحزاب الفلسطينية، التي لم تنجح في التوظيف الإيجابي للشباب، حتى بات اﻟﺸﺒﺎب أﺒرز ﻀﺤﺎﻴﺎ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ، وأبرز المعانين من غالبية القيادات الفصائلية الراهنة التي تقاوم وصول قيادات شبابية غير منهكة بعوامل الفشل، والإحباط، وتقدم السن، والتخلف عن المعاصرة وبالذات في وجه عدو مدجج بالعلم والتخطيط والإدارة وهو المتماشي مع أرقى حالات التقدم في العالم، بل والفاعل فيها.
صحيح أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها الشباب هي من معوقات مشاركتهم في الحياة السياسية والمجتمعية، لكن هناك بالمقابل أسباب ذاتية ﺗﺗﺻل ﺑﻣدى وﻋيهم السياسي واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ وسيطرة ﺜﻘﺎﻓﺔ السلبية في ظل وضع عربي مؤسف، إلى جانب افتقارهم الوعي بحقوقهم ما يظهرهم ضعفاء ﻓﻲ ﻤﺠﺎﻝ دفاعهم عنها. فالقوى السياسية والفصائل على اختلاف أيديولوجياتها، لم تمنح الشباب المشاركة الفعلية المنشودة في العملية السياسية والوصول إلى مواقع قيادية داخل هذا التنظيم أو ذاك، فبات هؤلاء في معركة صعبة، ربما تكون أكبر منهم، في ظل قيادة متقدمة في السن تسيطر على مفاتيح العمل السياسي والمجتمعي وحتى الشبابي، فأضحت العلاقة ليست علاقة تتابع طبيعي للأجيال، بل صراع بينهما، وفشلوا حتى اللحظة في صنع أي تغيير إيجابي مؤثر في الحالة الفلسطينية. وقد تنامى ترسخ هذا الحال، زمنيا، منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية حيث سادت القضايا والمسائل النفعية والذاتية وتفككت منذئذ قيم جمعية أثرت سلبا على الشباب.
إن الحراك الشبابي الراهن ضد الاحتلال (الذي يقوده جيل ولد بعيد اتفاقات أوسلو) يحمل – ضمن أمور عدة – احتجاجا ضمنيا أو شبه مباشر على الأداء السياسي للسلطة الفلسطينية. وعليه، لابد للقيادات الشابة أن تدرك حقيقة كونها مفتاح إصلاح السياسة الفلسطينية وأن تتصرف وفق هذا الإدراك. وحقا، هذه الهبة الحالية هي فرصة لهم يجب أن يغتنموها، فهم عامل أساسي في خلق أي تغيير سياسي، وهم حملة الحرية الحقيقية، وبهم يتم السعي نحو التحرير (وهو الدور الذي قام به الجيل الذي سبقهم) وبهم يجري استكمال النضال التحرري، وبهم تبنى الأوطان.