هل يجزم أحدهم أنه يملك مفتاح “البيت الأبيض”؟!!
الجواب السريع والمختصر عن السؤال أعلاه هو “لا” رغم أن الكونغرس الأمريكي ما زال “أرضاً إسرائيلية محتلة” حسب تعبير (باث بيوكانين) الجمهوري الذي ترشح في انتخابات الرئاسة عدة مرات. في الماضي، كان “المفوضون الكبار” في الحزب الجهة التي تختار المرشحين الذين يمثلون الحزب في الانتخابات العامة. والحزب هو الذي كان يمول مرشحيه في تلك الانتخابات. أغنياء أمريكا، وأكثرهم من اليهود، كانوا يمولون الحزبين، ولكن النقابات العمالية التي نظمها الرئيس (فرانكلين روزفلت) أثناء الأزمة الاقتصادية كانت الممول الرئيس للحزب الديمقراطي. أما الحزب الجمهوري فهو الذي يمثل مصالح الشركات والأغنياء.
دخل على الانتخابات الأمريكية عاملان: الأول هو الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحي الحزب الذي نزع سلطة “المفوضون الكبار” في الحزب من اختيار مرشحي الحزب في المرحلة التمهيدية وبات عبء التمويل على ظهر المرشح نفسه. وبما أن أغنى لوبي في الولايات المتحدة هو (إيباك) اللوبي الصهيوني فقد مد حباله لكل مرشح محتاج من الحزبين فأصبح بالتالي عبداً مطيعاً لمموله الصهيوني يعمل في خدمته وخدمة إسرائيل ربما طوال حياته السياسية.
كان الصوت اليهودي، على الغالب، يذهب إلى الحزب الديمقراطي ويبتعد دوما عن اليمين الأمريكي العنصري أو الديني المسيحي (المتمسيح) إلى أن استحوذ حزب “الليكود” على الحكم في إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي. في ذلك الوقت، نجح الحزب الديمقراطي بتمرير قوانين الحقوق المدنية التي أنهت “قانونياً” التمييز العنصري. أما غالبية الديمقراطيين في الجنوب الأمريكي الذي خسر الحرب الأهلية فتحولت إلى الحزب الجمهوري المعارض لقوانين الحقوق المدنية التي ساوت الأسود مع الأبيض.
استغل حزب الليكود عنصرية الجنوبيين وأنشأ علاقات متينة مع “المسيحيين الأصوليين” الذين يعتقدون بأن إقامة دولة إسرائيل هي الإشارة الحقيقية لاقتراب “القدوم الثاني للمسيح” ولكن بشرط غريب وهو أن “القدوم” لن يحصل إلا إذا انسحقت إسرائيل دولة و(شعباً) أولاً!! وهكذا عقد الليكود العنصري مع العنصريين المتدينين في الولايات المتحدة حلفاً أعطى للحزب الجمهوري قاعدة انتخابية مضمونة عددها 25% من الأصوات المنتخبة في أمريكا. ومن المعروف أن الأصوات اليهودية في غالبيتها تؤيد الحزب الديمقراطي، في حين أن اليمين اليهودي الصهيوني/ العنصري/ المستعمر يعطي أصوات “المسيحيين الصهاينة” إلى الحزب الجمهوري. وهكذا، سيطر اللوبي الصهيوني سيطرة تامة على الحزبين الرئيسيين في أمريكا وساد سيادة تكاد تكون تامة في مجلسي الشيوخ والنواب بدون منازع.
لقد جرّب رئيس وزراء إسرائيل (بنيامين نتنياهو) أن يلعب لعبته للسيطرة على قرار البيت الأبيض ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، لأن الرئيس (باراك أوباما) موّل حملته بدون أن يمد يده إلى اللوبي الصهيوني، مستجلبا أصوات الأمريكان السود واللاتين بأعداد كبيرة جعلته لا يحتاج إلى أصوات اليهود، وهو ما يفعله المرشح (بيرني ساندرز) اليهودي، المناهض لحزب الليكود، الذي يمول نفسه كما فعل (أوباما) عن طريق الانترنت على شكل تبرعات صغيرة ولكنها تعد بالملايين.
لقد كسرت حملة الانتخابات التمهيدية في 2016 كل التوقعات والاستنتاجات وأصبحت بمثابة عاصفة شديدة اقتلعت رياحها مرشحين كبار من الحزب الجمهوري. هذه الثورة الشعبية الجمهورية الجامحة كسرت قوة القيادة في الحزب لأن غضب الناخبين الجمهوريين أصبح موجهاً ضد القيادة الجمهورية في شكل خاص وضد واشنطن العاصمة بشكل عام وما تمثله من فساد تقوده مجموعات اللوبي التي اشترت الكونغرس والحزبين معاً ودفعت أثمانهم معطلة إرادة الشعب الذي انتخبهم. هذه “الثورة الجمهورية” هي “الربيع الأمريكي” الذي سيعيد رسم الخارطة السياسية التي ستحكم الولايات المتحدة في المستقبل، وقد وجد الغاضبون الجمهوريون في (دونالد ترامب) الأداة الفعالة لتدمير القيادة في الحزب الجمهوري وتدمير مراكز التسلط والفساد في واشنطن العاصمة.
وعندما بدأ (ترامب) جذب الملايين الغاضبة إلى جانبه بأعداد هائلة لم تبلغها الانتخابات التمهيدية الجمهورية في تاريخها، تغير البعض وكان أول المتغيرين (كريس كرستي) الذي جلب معه مموله اليهودي الصهيوني اليميني (شلدون أليسون)، الذي رصد 100 مليون دولار لحملة (ترامب) الرئاسية. ومع ذلك، يبقى “المحافظون الجدد”، ولو إلى حين، الأشد عداء (لترامب).
في مؤتمر (إيباك) الأخير الذي هو في قبضة الليكود كلياً، قدم المرشحون من الحزبين، ما عدا (ساندرز) المرشح اليهودي، الطاعة العمياء وخروا ركعاً أمام “المذبح الصهيوني” مبدين استعدادهم لخدمة إسرائيل.
(هيلاري كلينتون) هي الوحيدة التي يمكن أن تمنع (ترامب) من الوصول إلى الرئاسة شرط أن تنظم وتحفز الملايين من الأصول الإفريقية واللاتينية الذين صوتوا للرئيس (أوباما) بأن يخرجوا ويصوتوا لها. وبدون هذه الملايين العديدة سيصعب تحييد الملايين الغاضبة المؤيدة (لترامب) وستكون الرئاسة من حصته كما يعتقد بعض المراقبين، رغم أن الغالبية العظمى في المجتمع الغربي ترتعد خوفاً من احتمال نجاح (ترامب) في الانتخابات الرئاسية. وكي نعرف من سيمسك مفتاح “البيت الأبيض” علينا أن ننتظر التطورات ولربما المفاجآت.