شروط إسرائيل التعجيزية
في اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مساء يوم 4/5/2016، ورغم تأكدي من جنون الغطرسة الإسرائيلية، كدت لا أصدق ما أسمع عن الرد الرسمي لسلطات الاحتلال. ولفداحة وغطرسة ذلك الرد، قررت “اللجنة” (1) إنهاء اللقاءات الأمنية مع الجانب الإسرائيلي بعد العجز عن إقناعه وقف الاجتياحات التي تقوم بها قواته للمدن الفلسطينية الرئيسية والدخول إليها دون تنسيق، و(2) البدء الفوري بتنفيذ قرارات المجلس المركزي للمنظمة، المتخذة قبل أكثر من عام، والخاصة بتحديد العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وبخاصة في ضوء تنكر الاحتلال للاتفاقيات الموقعة والسعي الدؤوب لتدمير خيار “حل الدولتين”.
معروف أن حكومة اليمين المتطرف بزعامة رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) قد أفشلت كافة المساعي الفلسطينية للوصول إلى تسوية ما، وما زالت تفرض شروطها التعجيزية على القيادة الفلسطينية، معتمدة على فرض الأمر الواقع: الاستعمار/ “الاستيطان” وتهويد الأرض وعلى رأسها القدس الشرقية، وكذلك استباحة مناطق (أ) المستمرة منذ العام 2002 إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) وهو الأمر الذي يتعارض مع الاتفاقات الموقعة وعلى رأسها اتفاق التنسيق الأمني. ففي الاجتماعات الأمنية الأخيرة التي جرت بين المسؤولين الأمنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، أصرت حكومة (نتنياهو) المتطرفة، في البداية، على تسليم السلطة الفلسطينية المسؤولية الأمنية على قاعدة “أريحا + رام الله أولا”، وهو ما يسقط فكرة “وحدة مناطق أ” التي رسختها اتفاقات أوسلو. بل إن سلطات الاحتلال حاولت اللعب بورقة المسار المالي ودمجه مع المسارات الأخرى، فيما أصرت القيادة الفلسطينية على عدم وحدة المسارات.
ومع التزام القيادة الفلسطينية بمسألة التنسيق الأمني، ورغم ما رسخه هذا “التنسيق” من استياء شعبي فلسطيني، جاء الموقف الإسرائيلي لينسف كل الاتفاقات السابقة. فهو، رغم موافقته في آخر الاجتماعات الأمنية المذكورة، على مبدأ “وحدة مناطق” (أ) فإنه وضع شروطا تعجيزية يرفض بموجبها، عمليا، تلك “الوحدة” من خلال إصراره على استثناء تدخلاته في الحالات التي أسموها: (1) “الإنذار الساخن”، (2) و”حماية المصدر”، (3) وتنفيذ ما لا تنفذه السلطات الفلسطينية “جيدا”!!! وهذه الشروط تعني: الرفض الفعلي لوحدة المنطقة (أ) مما يعني الخروج عن الاتفاقات الموقعة في أوسلو بل تهبيط سقفها عبر استمرار التدخل العسكري الإسرائيلي في المناطق (أ) عبر ذرائع “الإنذار الساخن”/ و”حماية المصدر”، واشتراط الرضى عن الأداء الأمني الفلسطيني”!!!
ورغم إبلاغ القيادة الفلسطينية لحكومة اليمين رفض هذه الشروط الثلاثة، قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية “الكابينت” الإصرار على شروطه، بمعنى أنه بات قرارا سياسيا إسرائيليا لا علاقة له بالأمن في ظل “الهبة الفلسطينية”، لا بل أرادوا خلق “شرعية” جديدة بديلة عن الاتفاقات الموقعة سابقا، فضلا عن إمكانية سحب هذا النهج على كل الاتفاقات الأخرى.
لقد أكدت “اللجنة التنفيذية” في اجتماعها الأخير هذا على “برنامج الحد الأدنى الفلسطيني” المتمثل في تجسيد إقامة الدولة الفلسطينية والمباشرة بشق طريقها على مسارات هي:
(1) الدولي: عبر تكثيف العمل مع فرنسا بعد رفض إسرائيل مبادرتها لعقد مؤتمر دولي للتسوية الصيف المقبل والذهاب لمجلس الأمن الدولي، خاصة في ظل عدم تسجيل أي إدانة أمريكية لمواقف “القيادة الفلسطينية” أمنيا. كما تتوقع هذه “القيادة صدور تقرير “الرباعية الدولية” مع نهاية الشهر الحالي، والذي يوجه – بحسب دبلوماسيين – انتقادا شديدا لاستمرار البناء الاستعماري/ “الاستيطاني” في الضفة الغربية وسرقة أراضي الفلسطينيين. كما قررت “اللجنة” استكمال جهودها بالتوجه إلى “محكمة الجنايات الدولية” و”محكمة العدل الدولية” لفضح جرائم الاحتلال، مع تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن حول “الاستيطان”.
(2): إسرائيليا: جوابهم واضح!!! لا مجال للعمل من جانبهم وفق الاتفاقات الموقعة، وعليه، فإن مسألة التنسيق الأمني تفقد أساس وجودها مما يستوجب المباشرة بوقف كافة أشكاله وتكليف الجهات المختصة بتحديد آليات تنفيذ القانون الفلسطيني في جميع أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، فلا للتعامل مع ما يسمى الإدارة المدنية بالمطلق، بل العمل فقط وفق ما نصت عليه الاتفاقات الموقعة. فما تريد إسرائيل تكريسه هو عودة “الإدارة المدنية” والسلطة العسكرية، وهي كأنها تقول للقيادة الفلسطينية: جبرا، قسرا، فرضا، هذه هي العلاقة التي تحكمنا وليس الاتفاقات!!!
(3): فلسطينيا: التمسك بالحوار الوطني الشامل لتجاوز العقبات التي تعترض طريق وضع حد للانقسام الذي يهدد وحدة الشعب واستعادة وحدة النظام السياسي وترتيب أوضاع البيت الفلسطيني من الداخل للوقوف في وجه سياسة حكومة (نتنياهو) الاستعمارية/ “الاستيطانية”، ومتابعة الكفاح على أساس المقاومة الشعبية بديلا للمفاوضات العبثية.
كل ما سبق يجب أن يتكرس على الأرض باعتباره الموقف الفلسطيني الواضح والعلني في مواجهة موقف “الكابينت” الإسرائيلي الذي يمثل موقف إحدى أشرس الحكومات الإسرائيلية من حيث مضيها المستمر في سعارها الاحتلالي/ التوسعي/ الإحلالي/ العنصري.