إسرائيل، داعش والمؤتمر النووي الأخير في واشنطن
في الشهر الماضي، دعا البيت الأبيض دولا كبيرة وصغيرة لحضور مؤتمر نووي هام يعقد في واشنطن للاتفاق على خطوات عملية لتجنب المخاطر النووية التي تواجهها بلدان العالم قاطبة. يومها، ظن كثيرون أن ذلك المؤتمر كان بسبب التهديدات النووية الأحدث من كوريا الشمالية ولكن هذا الظن هو أبعد ما يكون عن الحقيقة.
في أواخر الحرب العالمية الثانية، توصلت حسابات الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن مستوى الخسائر الأمريكية، إذا غزت اليابان، ستتجاوز مليون قتيل وجريح. أما توقعات خسائر اليابان فكانت بحدود أربعة أضعاف ذلك. هنا، يجب ألا ننسى بأن خسائر الحرب كانت ما بين 60 و70 مليون بين قتيل وجريح. ولذلك، تقرر استخدام القنبلة النووية لإنهاء الحرب بأقل الخسائر نسبيا. وبالفعل بلغ عدد قتلى قنبلة هيروشيما 66000 والجرحى 69000. أما القنبلة التي ألقيت على ناغاساكي فعدد القتلى بلغ 39000 والجرحى 25000. وإذا قابلنا أرقام القنبلتين النوويتين بما حصل في مدينة “درزدن” الألمانية سنجد أن قصف الطائرات الأمريكية والبريطانية، والذي دام أكثر من 14 ساعة، جعل “درجة حرارة الهواء أكثر من 1000 درجة فهرنهايت ذوبت الأجساد البشرية وألصقتها بالاسفلت وتكوم كل شيء وتحول إلى تلال من الرماد. لقد تم قتل 350000 إلى 500000 ألماني في ذلك اليوم” واندثرت المدينة بكاملها ولم يبق فيها حائط أعلى من قدمين. ولو تم غزو اليابان بالطريقة هذه على نحو شامل فلربما اندثرت اليابان كأمة وكبلد. وبمعنى نسبي، كانت القنبلة الذرية “نعمة” على اليابان من حيث الخسائر البشرية، ولولا ذلك ما كان لها أن تعيد بناء نفسها بمساعدة أمريكية لتصبح قوة اقتصادية عظمى. ومع الوقت، أصبحت القنبلة الذرية “بدون فائدة تذكر” لكثرة البلدان التي حصلت عليها، ولأن أي حرب نووية ستكون مدمرة للجميع ولا منتصر فيها، إذ هي ستسمم الغلاف الجوي للأرض باشعاعات نووية قاتلة ربما لجميع سكان الأرض. ثم جاءت “قنبلة نيوترن” لتغير الموازين كلها في الستينات من القرن الماضي فهي تقتل الآلاف المؤلفة من البشر بواسطة إشعاع نووي يدوم للحظة.
بالعودة، إلى المؤتمر النووي الذي انعقد في واشنطن مؤخراً، وحسب المراقبين المتمكنين من معلوماتهم، كان سبب المؤتمر معلومات أكيدة وصلت إلى “وكالة الاستخبارات الأمريكية” (سي آي ايه) بأن داعش تحضر “قنابل ملوثة” لاستخدامها في هجماتها المقبلة. ولطالما اعتبرت الوكالة (سي آي ايه) أن “القنبلة الملوثة” هي “سلاح (القاعدة) المفضل”، لأن (القاعدة) قامت بأربع محاولات لتفجير قنبلة ملوثة في واشنطن ونيويورك ولكنها لم تفلح إلى الآن. وكانت “الوكالة” قد أوضحت للكونغرس الأمريكي أن “القنبلة الملوثة” هي “25 كيلوجرام من المتفجرات ضمنها مواد إشعاعية، 137 CESIUM حيث تتواجد بكثرة في كل المستشفيات التي تعالج السرطان بواسطة النووي. فإذا انفجرت هذه القنبلة في منهاتن فإن كل منهاتن وضواحيها يجب أن تفرغ من سكانها وستنقلب إلى أراض مهجورة مشعة إلى سنين طويلة”.
لقد بدأت داعش تخسر مقوماتها من أرض ومال ولا يوجد شيء مثل القنبلة الملوثة لكي تجذب أنظار العالم “وتؤثر فيه!!”. ولو كانت تفجيرات بروكسل تحتوي على مواد مشعة، لنتصور حجم الكارثة التي كانت ستحصل؟ وفي هذا السياق، جرب “حزب الله” في خطاب أمينه العام مؤخراً، تهديد إسرائيل بتدمير المنشآت النووية ولكنه تهديد خاو من الفعل لأن إيران كانت ستدفع الثمن في هذه الحالة وطهران لن تسمح بهذا بتاتاً. وفعلا، كان بمقدور “حزب الله” ضرب خزانات الأمونيا في 2006 أثناء قصف بيروت ولكنه لم يفعل كي يجنب طهران ضربة إسرائيلية مدمرة. وفي هذا السياق، ليس لدى “داعش” محظورات أو ممنوعات خارجية تحد من جنونه إن قرر استخدام القنبلة الملوثة وخاصة بعد تهديداته الأخيرة لإسرائيل بضرب إيلات من سيناء. كل ما يحتاجه “داعش” هو خلية أو خليتين لا يتجاوز عدد الأفراد فيها خمسة أو ستة مدربون لصنع مدافع هاون وتوفير مواد مشعة من أي مستشفى وحشوها بالقذائف. فتل أبيب لا تبعد أكثر من 11 ميل في بعض النقاط في الضفة الغربية وبعدة قذائف من الهاون تنتهي تل أبيب كمدينة عامرة.
من المعروف أن التدابير المتخذة عالميا هي التي حالت حتى الآن دون الوصول إلى هذه “التكنولوجيا” فعليا، ناهيك عن القدرة على إيصالها إلى الهدف المنشود. ومن أجل ضمان استمرار هذه التدابير، بل تطويرها، دعا البيت الأبيض دولاً عديدة لحضور “المؤتمر النووي” كي تضمن مخزوناتها من المواد المشعة، وخاصة “زبالة” المستشفيات التي تداوي السرطان بالأشعة النووية، وغير ذلك من تدابير ضرورية.