“المسمار” الإسرائيلي الأحدث في “تابوت” الدولة الفلسطينية
منذ بداية العام 2016، صعدت حكومة الإحتلال الإسرائيلي وبصورة ممنهجة عمليات التطهير العرقي في مناطق مختلفة في الضفة الغربية، وفي الطليعة منها القدس المحتلة، خدمة لمشروعها الاستعماري/ “الإستيطاني”/ الإحلالي بهدف السيطرة على أراضي الفلسطينيين وتشريدهم وزرع “مستوطنين مكانهم”. وهذه الأيام، تركز سلطات الاحتلال، على التهام ونهب المزيد من الأراضي الفلسطينية في مناطق (ج) بحسب اتفاقات أوسلو، والبالغ مساحتها 60% من مساحة الضفة، ساعية لضرب “المسمار” الأحدث في “تابوت” الدولة الفلسطينية.
منذ بداية 2016، تنفذ سلطات الاحتلال حملة هدم غير مسبوقة في مناطق (ج) والتي كان آخرها نهاية شباط الماضي حيث جرى هدم جميع المباني القائمة في التجمع البدوي الفلسطيني “عين الرشاش”، بين محافظتي نابلس ورام الله، تحت عنوان “منطقة إطلاق نار”، وأيضا بذريعة عدم وجود تراخيص بناء!! فبحسب “المكتب الوطني للدفاع عن الأرض”، فإن حكومة الاحتلال الإسرائيلي “هدمت خلال شهري كانون ثاني وشباط ما مجموعه 293 مبنى، مقابل 447 مبنى هدمت طوال العام 2015 في أراض (ج). من جانبها، نشرت “حركة السلام الآن” الإسرائيلية تقريرا يؤكد “بناء 265 بؤرة استيطانية تمثل 15% من مجمل عمليات البناء داخل بؤر استيطانية غير رسمية حتى الآن، كما جرى بناء 1547 بؤرة ثابتة بالإضافة إلى 253 مبنى متنقلاً منها 63 مبنى عاماً و42 مبنى للمرافق الزراعية ورياض الأطفال”. وفي هذا السياق، صرح منسق الانشطة الانسانية في الامم المتحدة (روبرت بيبر): “إن غالبية عمليات الهدم تتم بذريعة قضائية كاذبة هي عدم وجود تراخيص، علما أن المعطيات تشير الى ان سلطات الاحتلال لا توافق الا على أقل من 1.5٪ من طلبات التراخيص التي تقدم لها من قبل الفلسطينيي”. وحسب معطيات “اوتشا” (مكتب الامم المتحدة للتنسيق الانساني)، فإنه “بالمقارنة مع المتوسط الشهري بين 2016 و2015 هناك زيادة بنسبة 230% في عدد المباني التي هدمت. وزيادة بنسبة 689% في عدد المباني بتمويل اوروبي، لا سيما تلك التي هدمت أو تمت مصادرتها”. إنها “صفعة” إضافية على “الخد” الأوروبي!
لقد انتهج الاحتلال جملة من السياسات بغية مصادرة الأراضي الفلسطينية (ج)، وها هي “الإدارة المدنية” للاحتلال تنفذ منذ العام الماضي (6) مخططات تنهي الوجود الفلسطيني في مناطق (ج)، بالقرب من منطقة النويعمة في مدينة أريحا والأغوار الشمالية، بهدف تهجير (12500) بدوي وعزلهم في منطقتي العيزرية جنوب محافظة القدس وعرب النويعمة وإزحيمان في الأغوار، ما يشكل تطهيرا عرقيا لتواجد الفلسطينيين في هذه المناطق لصالح توسيع المشاريع الاستعمارية/ “الاستيطانية”، علما أن نصف مليون دونم من الأراضي ستكون خالية. وبحسب المخططات الاسرائيلية، سيتم تحويل هذه المناطق الى “مستوطنات” ومناطق تدريب عسكري ومحميات طبيعية، وبالتالي يصبح من المستحيل عودة البدو إلى تلك المناطق فضلا عن فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها… ولعل هذا هو الهدف الرئيس.
سياسة السيطرة على مناطق (ج) يتفق عليها القادة الإسرائيليون بالمجمل. فعشية زيارة نائب الرئيس الأميركي (جو بايدن) إلى “إسرائيل”، عقدت ما تسمى “مجموعة الضغط من أجل أرض إسرائيل” جلسة علنية في مقر الكنيست للبحث فيما وصفته بــ”مصير مستوطنة معاليه أدوميم والدعوة إلى استئناف البناء فيها”. وهذه المجموعة تضم أعضاء من أطياف حزبية مختلفة في إسرائيل، دعت إلى تكثيف البناء “الاستيطاني” في “المستوطنة” ومحيطها، وبشكل خاص المشروع “الاستيطاني” في المنطقة المسماة (E1)، الذي يقلل فرص حدوث تواصل جغرافي مستقبلي ما بين شمال الضفة الغربية المحتلة وجنوبها حال قيام دولة فلسطينية. وقد تسابق المشاركون في إطلاق مواقف متطرفة داعمة “للاستيطان”، حيث دعا (أفيغدور ليبرمان) زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” إلى سرقة المزيد من الأرض الفلسطينية، معلناً “أن بناء ألفي وحدة سكنية جديدة في معاليه أدوميم ستضمن انضمامه إلى حكومة نتنياهو”. ومن جانبه، ادعى (يئير لبيد) زعيم حزب “هناك مستقبل” أن “معاليه أدوميم والكتل الاستيطانية الأخرى هي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل”، في حين أكد رئيس المجموعة عضو الكنيست (بتسلئيل سموتريتش) من “البيت اليهودي”: “أن هناك إجماعا واسعا على البناء في مدينة معاليه أدوميم”.
إن سياسة هدم المنازل في المناطق (ج) التي هي، في الأصل، تابعة للسلطة الفلسطينية، يمثل جريمة حرب تضاف إلى سلسلة الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني. وفي هذه الجريمة، الشاهد الجديد الذي يثبت أن الدولة الصهيونية لا تعترف بوجود دولة فلسطينية على حدود 1967، وأنها بسياستها هذه إنما تحاول قتل أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية عبر جهودها على درب توسيع مشاريع الاستعمار/ “الاستيطان” مقابل منع البناء للفلسطينيين وقطع الخدمات عنهم وتقليل عدد السكان منهم، وصولا الى إخلاء المنازل وهدمها للسيطرة عليها، تمهيدا لضم مناطق (ج) وتهويدها، وبالتالي تدمير حل الدولتين من خلال اغتيال مقومات وجود دولة فلسطينية.