تسويق إسرائيلي لدورها الإقليمي المنشود

مع استمرار الاضطرابات والتحولات في الشرق الأوسط وحالة عدم اليقين وصعوبة التنبؤ بتأثيراتها على المنطقة، تسعى الدولة الصهيونية محاولة استغلال الاضطرابات والتحولات لمصلحتها، فضلا عن محاولات الصيد في الماء العكر، واللعب على التناقضات والتخوفات المتعاظمة منذ سنوات في المنطقة، “لتثبت” للمجتمع الدولي أن الصراع الفلسطيني العربي/ الإسرائيلي ليس هو جوهر صراعات المنطقة، مثلما أنه ليس مصدر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وبالتالي دحض حقيقة أن حل هذا الصراع من شأنه العمل على تعزيز الاستقرار في المنطقة، الأمر الذي يضعف الصورة الواقعية للدولة الصهيونية كدولة احتلال ترفض “التسوية”!!!

اليوم، يتصاعد الصراع على امتداد الإقليم شرق الأوسطي، وتكثر المشاريع، بعضها ما يتوافق مع البعض الآخر، ومنها ما يتعارض. مشروع أمريكي وآخر روسي وثالث إيراني ورابع تركي، يتحالف هذا مع ذاك ويسعى لإسقاط غيره، كلها مغلفة بصراع على النفوذ بين المملكة العربية السعودية (الدولة السنية الوحيدة التي تحاول خلق مشروع عربي/ إسلامي خاص بها) من جهة، وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة ثانية (ساعية ما وسعها الجهد لتمثيل الأقلية الشيعية في العالم الإسلامي) حتى أضحت هذه المشاريع الدولية والإقليمية بمثابة حروب وقودها الطائفية والعصبية المذهبية. هذا، ولقد تفاقم الوضع بعد تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم الدول العربية المعتدلة، وظهور قوى إقليمية على رأسها إيران وتركيا تحاولان فرض سياستيهما على المنطقة، وبخاصة بعد أن رأت الدولة الصهيونية فرصتها في أخذ دورها المأمول صهيونيا بذريعة أن إيران هي العدو الأول لإسرائيل الساعية لإبادتها، “حالمة” بإنشاء قوة راعية لأطراف “معسكر السنة” بحيث تصبح هي زعيمة هذا المعسكر!!! ففي كل مكان تعمل فيه إيران، نرى موقفا إسرائيليا معاكسا تريد له أن يكون متناسقا مع موقف “المعسكر السني” في العراق وسوريا واليمن مع التركيز على طائفية الصراع!!! وفي تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو) ألف ادعاء على ذلك.

إذن، تسعى الدولة الصهيونية إلى توسيع نفوذها وحماية “حدودها” مرتكزة على تصوير الواقع بأنه قتال بين السنة والشيعة، وأن مصلحتها مشتركة مع “المعسكر السني”! فهي، مثلا، قد حددت مصالحها الإستراتيجية إزاء الأزمة السورية في خطوط حمراء تراعي مصالحها ومنها في الأساس: منع سقوط أي نوع من الأسلحة البيولوجية والكيميائية في أيدي عناصر متطرفة أو في أيدى حزب الله أو إيران واستمرار الهدوء عبر حدودها الشمالية. ولعل الأمر الملح بالنسبة لإسرائيل سورياً هو العلاقات السورية الإيرانية، إذ هي ترى في استمرار هذه العلاقة قوة لإيران، وفي انقطاعها ضربة لها ولنفوذها في المنطقة. كذلك، ومع رفع الحظر عن إيران، “يسوق” قادة الدولة الصهيونية لما يسمونه “شراكة كاملة” مع “المعسكر السني” بدواعي “المصلحة المشتركة” في المواجهة مع ايران (العدو المشترك) في المنطقة!!! وفي السياق، يتكاثر الحديث الإسرائيلي عن تحالف إسرائيلي ـ سعودي “منشود” ضد إيران! فمثلا، تحدث وزير “الحرب” (موشيه يعلون) عن هذا التقارب في مؤتمر معهد أبحاث الامن القومي في تل أبيب، واعتبر أن: “المعسكر الأكثر أهمية هو “المعسكر السني” بقيادة السعودية، ولاسرائيل مصالح مشتركة عديدة مع هذا المعسكر المحور، وهذا هو الأمر الأهم لتأسيس علاقات معها اليوم، أكثر من السلام وأكثر من الاتفاقات والاحتفالات، هذا المعسكر محبط كثيرًا من الخيار الأميركي في رؤية إيران لاعبا رائدا في المنطقة”. أما رئيس أركان جيش الاحتلال (غادي أيزنكوت) فإنه يعزف على أوتار كون: “الوضع في الشرق الأوسط يخلق فرصا أمامنا، وأنه كلما تعمقت الأزمة بين إيران والسعودية، فإن إسرائيل تتقرب من السعودية. وهذا التقارب سيرقى إلى مرحلة أعلى بعد رفع العقوبات عن ايران وقد يتحول الى “شراكة” حقيقية”. بل إن (نتنياهو) غاص في أحلام التمني معتبرا أن: “ثمة تغييرا دراماتيكيا في العلاقات الخارجية لإسرائيل، في المدة الأخيرة، بينها وبين جيرانها العرب الذين يرون في إسرائيل حليفا وليس تهديدا”، داعيا مسؤولين في الاتحاد الأوروبي “أن يظهروا لإسرائيل الفهم نفسه الذي يُظهره لها جيرانها العرب الذين كانوا هم الأعداء التقليديين للدولة اليهودية”.

من الواضح أن الدولة الصهيونية نجحت إلى حد ما في تهميش الملف الفلسطيني، وتتمنى ما وسعها التمني إقامة تطبيع سياسي وأمني مع أطراف عربية بحيث يجعل منها ذلك قوة إقليمية ودولية كبرى، تكون فيه قادرة على فرض هيمنتها الأمنية والسياسية والاقتصادية على المنطقة. لكن، في سياق التفاؤل الذي لا بد أن نعيشه، نختم: “هل المشروع العربي ممكن؟!!!” بحيث نعيد على أساسه ترتيب أوراق المنطقة ويكون مشروعنا الذي يقف في وجه المشاريع الأخرى وعلى رأسها، بالطبع، “المشروع الإسرائيلي”!!!.