حين يرتفع منسوب مياه خزّان الكره الإسرائيلي

راهنا، تؤمن غالبية المجتمع الإسرائيلي بأن قيم الصهيونية اليهودية أهم من قيم الديمقراطية. وعليه، شرعنت الدولة الصهيونية وتشرعن قوانين عنصرية تمس عموم الفلسطينيين لكنها “تخص” فلسطينيي 1948 تحديدا! والمتابع لا يمكنه إلا أن يلحظ أثر ودور رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) في حملة التحريض العنصرية. وقد قال حديثا: “كلنا نعرف بانه يوجد تحريض منفلت العقال للاسلام المتطرف ضد دولة إسرائيل في داخل الوسط الاسلامي. نحن نعمل بحزم ضد هذا التحريض مثلما فعلنا عندما أخرجنا عن القانون الجناح الشمالي للحركة الاسلامية والمرابطين”. وتابع (نتنياهو): “قررنا تطبيق القانون فيما يتعلق بقوانين البناء وفي قوانين الضجة من المساجد والتحريض الذي يمارس فيها وطبعا في شبكات التواصل الاجتماعي وللأسف أيضا في المدارس”. من هذا الكلام يفهم بأن المستقبل سيشهد تصعيدا في المقارفات الإسرائيلية.

وفعلا، ثمة رفع خطير لسقف التعدي على المجتمع العربي. فـ (نتنياهو) يضغط بكل ثقله للإسراع في إصدار قانون يعدل النظام البرلماني القائم، ويستهدف النواب العرب تحديدا، ويجيز لـ 90 نائبا بإقصاء عضو كنيست عن جلسات الكنيست حتى نهاية الولاية البرلمانية في حالات من بينها إبداء النائب دعما لما يسميه الاحتلال “ارهابا”. كذلك، تعد وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية الليكودية (ميري ريغيف) قانونا جديدا يشترط منح ميزانيات للمؤسسات الثقافية التي تعلن الولاء لدولة إسرائيل فقط. كما أن الحكومة الإسرائيلية تسرع عملية نزع الشرعية عن الحركة الإسلامية أحد التيارات السياسية في الداخل الفلسطيني، رغم عملها الشرعي ضمن القانون الإسرائيلي. وعن ذلك، يقول الكاتب العربي “الإسرائيلي” (جاكي خوري): “في المجتمع العربي ملاحقة الحركة الإسلامية تهدف إلى دحرجة إخفاقات الحكومة السياسية والأمنية باتجاه الحركة التي تعمل تحت أعين السلطات القانونية المفتوحة. هناك خشية من أن تكون هذه خطوة أولية فقط، وأنه تحت سلطة اليمين والأجواء الجماهيرية المشجعة على التحريض ضد العرب، فإنه ليس فقط الجناح الشمالي للحركة الإسلامية خارج القانون – بل أيضا الجمهور العربي كله”. من جانبها، اعتبرت “جمعية حقوق المواطن” الإسرائيلية قرار الحظر خطوة متطرفة جداً “تمت بموجب أنظمة الدفاع (ساعة الطوارئ) المتشددة والعدوانية”. وأشارت إلى أنه “قرار إداري لم يستند على أية شبهات بتنفيذ الحركة أو تخطيطها لتنفيذ أعمال قد تندرج في إطار (الإرهاب)”. وتابعت: “هذه الحيثيات المقلقة لقرار الإعلان ترجح كفة كونه قراراً غير قانوني قد تكون له تبعات خطيرة وطويلة الأمد على الحق في التنظم، والحق في حرية التعبير والاحتجاج، وعلى الأقلية الفلسطينية في الداخل”. وأضافت أن “الحركة الإسلامية هي حركة سياسية فاعلة منذ سنوات طويلة، لها قاعدة شعبية واسعة في المجتمع الفلسطيني”. بل إن جمعية “سيكوي (العربية اليهودية) لدعم المساواة المدنية” اعتبرت قمع الحكومة للحركة الإسلامية قد “يسهم بتحويل الصراع القائم إلى صراع ديني”.

ومن ضمن الكتاب والمحللين الإسرائيليين العديدين الذين انتقدوا (نتنياهو)، كتب المحلل السياسي (يوسي فيرطر): “صفة واحدة لم يتخلص منها نتنياهو: التعميم والتأجيج وبث الكراهية وزرع الخوف والتحريض على الأقلية العربية، واستغلال كل فرصة وكل تراجيديا وكل كارثة إنسانية من أجل كسب عدة انتصارات سياسية والحصول على مكاسب انتخابية”. وتابع: “لقد شن نتنياهو هجمة شرسة ومخزية وقريبة من العنصرية ضد العرب في اسرائيل. لقد وصم مجتمعا كاملا وجمهورا كاملا كخارجين عن القانون وحاملين للسلاح وكمخربين محتملين. إن التهجم على الجمهور العربي في اسرائيل كان قلة أدب ومتدن أكثر مما عودنا على مدى السنين”. وفي مقال كاشف يقول الكاتب الجريء (جدعون ليفي): “تخيلوا ماذا يعني أن تكون اليوم مواطنا فلسطينيا في دولة إسرائيل: فقط الخوف واليأس. أنت تتجول في شوارع تل أبيب والخوف والإهانة يرافقانك. وفي القدس ربما يطلقون عليك النار. وفي العفولة يطردونك. ومن الأفضل أن لا تتحدث بلغتك. ومن الأفضل الامتناع عن أي شيء يكشف عن هويتك. كُن يهوديا خارج البيت وفلسطينيا في داخله”! وأضاف: “أنت تعيش في البلاد مع وقف التنفيذ. لا تساعدك أي سلطة. ولن تنقذك أي حكومة. المحاكم تميز ضدك. الميزانيات تميز ضدك. الكنيست عنصرية. وسائل الاعلام قومية متطرفة”. من جانبها، قالت “هآرتس”: “يبدو أنه من غير الممكن إغلاق النبع العفن الذى يستقي منه نتنياهو هذه التصريحات، ويملأ بها فضاء الحديث العام فى إسرائيل. لكن من الممكن ويجب بناء حوار فى المقابل، بديل عن ذلك الحوار العنصري الخاص برئيس الوزراء”.

لم يعد بالإمكان إغلاق خزان الكره الذي يملأ الخطاب الإسرائيلي السائد حاليا. وها هو (نتنياهو) وصحبه “ينجحون” بزيادة منسوب هذا الكره، بعد أن أقاموا دولة “المستوطنين”، ودولة “شارة ثمن”، ودعموا القوانين العنصرية، وغضوا الطرف عن الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين… سواء كانوا تحت احتلال 1967 أو 1948.