الإرهاب اليهودي ضد المسيحيين: كيف؟ ولماذا؟

في ظل الاستهداف الصهيوني لكل ما هو فلسطيني، نال المسيحيون منذ نكبة 1948، مما ناله كافة أبناء الشعب الفلسطيني من انتهاكات واعتداءات وإن ظلت طي الكتمان. ففي تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” مؤخرا، كشفت وثائق إسرائيلية أن “العصابات الصهيونية عمدت إلى انتهاج سياسة تقوم على تدمير وتخريب والمس بقدسية الكنائس في فلسطين عشية وخلال وبعد حرب 1948”. وبحسب التقرير، فإن كتابا إسرائيليا يصدر حديثا، يتناول كيفية قيام تلك العصابات بعمليات سلب وتخريب ضد الكنائس التي كانت موجودة في المدن والبلدات والقرى الفلسطينية التي سيطرت عليها بعد طرد أهلها منها. ويستند الكتاب التوثيقي الإسرائيلي إلى شهادات وإفادات قدمها رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق (موشيه شاريت) حول الاعتداءات الوحشية التي تعرضت لها الكنائس الفلسطينية. وكشفت مقتطفات من الكتاب نشرتها “هآرتس” عن اعتراف (شاريت) بأن: “الضباط والجنود تعمّدوا المس بمقّدسات المسيحية، سلوكهم يصدر فقط عن وحوش وليس عن بني بشر… الضباط والجنود تعمّدوا تحويل الكنائس إلى دورات مياه لقضاء حاجاتهم”، لافتاً إلى أن عمليات التخريب والسطو الممنهجة داخل الكنائس امتدت لأشهر. وطبعا، فإن خلفية الاعتداء وإحراق الكنائس يستند إلى “أحكام فقهية” لمرجعيات دينية يهودية في الزمن الغابر تزعم أن “المسيحية هي ضرب من ضروب الوثنية، وبالتالي لا يجوز السماح بوجود المسيحيين ولا دور العبادة الخاصة بهم على (أرض إسرائيل)”. وقد كان علماء اليهود وأحبارهم من الأشد عداوة للسيد المسيح عليه السلام خوفاً على مراكزهم ومصالحهم، ولم يقبلوا بنبي يشيد بينهم مملكة الأخلاق والتقوى فاعتبروه “يهوديا خائنا ومارقا”، فكذبوه واتهموه بالسحر، ومعروف أنه، طوال قرون اتهم المسيحيون اليهود بأنهم هم سبب صلب المسيح.

في الآونة الأخيرة، توالت الاعتداءات اليهودية على المسيحيين ومقدساتهم فيما تكتفي سلطات الاحتلال بالاستنكار. فقد تعرضت وما زالت كنائس وأديرة ورهبان ومقابر مسيحية عدة إلى أعمال تدنيس وتخريب، تبدو متناغمة مع سياسات حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف التي تعطي الضوء الأخضر لمثل هذه الاعتداءات نتيجة لحملات التحريض التي يقوم بها حاخامات يهود ينشرون فكرا ظلاميا في أوساط طلاب المدارس الدينية، حيث يدعونهم، علانية، لاستهداف دور العبادة المسيحية والإسلامية. وفي السياق، لا يمكن تجاهل عقود طويلة من الكراهية رسخها عديد الحاخامات ومن أبرزهم في الماضي القريب كبير حاخامات اليهود الشرقيين “السفارديم” في إسرائيل ومؤسس حزب “شاس” الديني وزعيمه الروحي، الحاخام (عوفاديا يوسف). وقد تشربت قطعان الشباب الإسرائيلي الاستعماري/ “الاستيطاني” وتنظيمهم الإرهابي “دفع الثمن” هذه الطروحات فكثفوا مؤخرا من الاعتداءات على الكنائس وكتابة شعارات على جدرانها تهدد “بإرسال المسيحيين إلى جهنم”، إلى جانب كتابة عبارات مسيئة للمسيح عليه السلام. وكذلك الحال مع دعوة الناشط المتطرف (بنتسيون غوبشتاين) رئيس منظمة “لاهافا” (الشعلة) المنظمة اليمينية المتطرفة التي تنشط ضد “اختلاط اليهود والزيجات المختلطة” وتستمد أفكارها من حركة “كاخ” العنصرية المعادية للعرب. وقد دعا (غوبشتاين) إلى حرق الكنائس، ووصف المسيحيين “بمصاصي الدماء”، واعتبر الوجود المسيحي في القدس غير مرغوب فيه.

لقد اعترف النائب العام الإسرائيلي (شاي نيتسان) محذرا بأن: “الإرهاب اليهودي ليس مجرد حفنة أشخاص. فالناس الذين يستطيعون الخروج لقتل عائلة هم نادرون، ولكن كم من الناس يكرهون القطاع الآخر أو يعلنون تأييدهم أو فرحهم لحدوث مثل هذه الأمور”. وفي مقال بعنوان “ضاق الخوارنة في القدس ذرعا”، يقول الكاتب الإسرائيلي (يوسي ايلي): “طلاب المعاهد الدينية في البلدة القديمة (القدس) يتعرضون للشتائم منذ أكثر من عشرين سنة فقط لكونهم مسيحيون. يتعرضون لاهانات صعبة من قبل الحاخامات الحريديين الذين يشتمونهم ويبصقون على ملابسهم وأحيانا يهاجمونهم. والشرطة لا تهتم بسلامتهم. الشرطة تقول دائما إنها لم تر ولم تلاحظ”. ويضيف: “جهات استخبارية في سلطة تطبيق القانون تعتقد أن زيادة ظاهرة البصق على الرهبان، هي نتاج التطرف الديني الذي يمر على طلاب معاهد معينة لا يقبلون الغير وبالذات المسيحيين”. وكلمة السر هنا هي “وبالذات”!!!

مع تفشي أجواء الكراهية في المجتمع الإسرائيلي وازدياد نفوذ المستعمرين/ “المستوطنين” تتعاظم جرائم الكراهية ضد كل من وما هو غير يهودي بدعم من المؤسسة اليمينية الحاكمة في إسرائيل. والموقف العدائي من المسيحيين يحركه توجه قومي وديني يهودي متطرف قائم على الكراهية ضمن العدوان الذي تنتهجه الدولة الصهيونية تجاه المسيحيين، وفق خطة ممنهجة لطمس كل ما هو عربي في فلسطين واستبداله باليهودي، مع محاولة إفراغ فلسطين من مسيحييها كجزء من المشروع الصهيوني الذي يريد إقامة دولة يهودية خالصة على أرض فلسطين. وهو كذلك محاولة منهم لتصوير الصراع على أنه صراع ديني مع المسلمين الذين تتم شيطنتهم في العالم الغربي المسيحي منذ سنوات.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى