حينما يحاصر اليمين الإسرائيلي “المستقبل اليهودي”

تتزايد قوة اليمين المتطرف في المجتمع الإسرائيلي، بشقيه الديني وبدرجة أقل القومي، وتتنامى شعبيته بشكل لم يسبق له مثيل. فلقد “نجح” هذا اليمين في تقديم نفسه أساسا بصفة الطرف الوحيد الذي يدافع عن “الدولة اليهودية”، عاملا على ربط مفاهيم الهوية الاسرائيلية بمفاهيم العرق اليهودي والتفوق العسكري، حتى بات المظهر العام الإسرائيلي كله على شكل مروحة واحدة من اليمين المتطرف. وهذا اليمين، يدعي أن كل شيء سيكون على ما يرام: فانتفاضات الفلسطينيين تفشل، والاحتلال مستمر بأقل الخسائر، واتفاقات أوسلو دفنت، والمبادرات على اختلافها أسقطت، والمستعمرات/ “المستوطنات” تكاثرت، والقدس المحتلة تقريبا هودت، وما زالت إسرائيل دولة قوية مزدهرة.

بالمقابل، تحذر الأدبيات الإسرائيلية يوميا من الخطر على مستقبل إسرائيل في ظل اليمين المتطرف. ففي مقال بعنوان “اليمين المتطرف يدمر إسرائيل” شارك في كتابته كل من (آفا ايلوز) و(نتانئيل ب): “اليمين الاسرائيلي المتطرف يعمل ضد مصلحة الأمة التي يتحدث باسمها: 1. يفضل بشكل واضح الحريديين – “شاس” و”يهدوت هتوراة”، وهما منظمتان غير صهيونيتين في مواقفهما الدينية – وهو يمنحهما حقوقا إضافية. 2. يدعم السياسة الخارجية التي تتسبب في قطع العلاقات بين اسرائيل والكثير من يهود العالم، وبينها وبين حلفائها. 3. يحول إسرائيل الى دولة مع أغلبية عربية لأن المستوطنين – الذين يمثل مصالحهم – لا تهمهم حقيقة ان اسرائيل ستكف عن كونها ديمقراطية، وتسيطر على أغلبية عربية بالقوة (الأمر الذي أصبح واقعا موجودا الآن). 4. تنازل كليا عن خلق مرحلة جديدة غير مسبوقة في التاريخ اليهودي كما اقترحت الصهيونية القديمة، وبدلا من ذلك عاد الى الهوية والارث اليهودي”.

في مقال بعنوان “ثقافة الفتك عند متطرفي اليمين” كتب (موشيه نغبي) يقول: “اليمين يعتبر أن غاية ردع الإرهاب تبرر جميع الوسائل بما في ذلك العقاب القاسي بدون محاكمة حتى لو كان الثمن الحاق الضرر بالابرياء. إن حقيقة أن هذا الموقف لم يعد يقتصر على جماعة صغيرة بل يجد الشرعية عند اعضاء كنيست واشخاص في الحكومة والمؤسسة الامنية، هي دليل قاطع على حيوانية اسرائيل”. ويضيف: “ليس فقط الدم الفلسطيني هو المهدور بل ايضا دم كل من يحاول كبح تدهور دولة اسرائيل من دولة قانون إلى دولة فتك.. إن طلب متطرفي اليمين تحرير الصراع ضد الإرهاب من القيود القانونية والاخلاقية، وتحريضهم غير المحدود ضد من يريد الابقاء على هذه القيود، هو شهادة مزعزعة على استمرار ازدهار الثقافة السيئة”. من جهته، وفي مقال بعنوان “اليمين ضد اليهود” كتب (آري شبيط) يقول: “العلاقة بين اليمين الإسرائيلي و(الشعب اليهودي) في السنوات الأخيرة ازدادت خطورة. ودون معرفة أو قصد، تحول اليمين إلى تهديد حقيقي على مستقبل يهود الشتات. فمن بين كل 10 شباب يهود في شمال أمريكا، 8 الاستيطان بالنسبة لهم هو عمل غريب، خاصة وأن أغلبية اليهود في الشتات هم من الإصلاحيين والمتجددين والعلمانيين الرافضين لمنح إسرائيل صبغة دينية”. ويخلص (شبيط) إلى القول: “ليس فقط الـ بي.دي.اس هي المشكلة، ليس فقط اللاسامية الجديدة هي التهديد. التحدي الحقيقي (للدولة اليهودية) و(الشعب اليهودي) هو إدارة الظهر من شباب كثيرين، يعتبرون إسرائيل قومية متطرفة حريدية”.

إسرائيل تسير على طريق خطير، ومقارفاتها في فلسطين المحتلة لن تبقى إلى الأبد. ففي مقال ساخر للمحلل السياسي (آري شبيط) بعنوان “استراتيجية اليمين تقوم على ادعاء كاذب أن كل شيء سيكون على ما يرام” يقول: “نستطيع في النهاية تلخيص استراتيجية اليمين بهذه الكلمات: كل شيء سيكون على ما يرام!!! الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ثائر ضد الاحتلال الإسرائيلي؟ في قطاع غزة نسجن 1,8 مليون إنسان تحول يأسهم إلى تهديد استراتيجي؟ بين البحر والنهر بدأ يبرز واقع دولة واحدة لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون دولة يهودية وديمقراطية وصهيونية؟ المشروع الاستيطاني يؤدي إلى نمو قوى ظلامية تشوه الصورة الأخلاقية لدولة إسرائيل؟ في الغرب بدأوا ينظرون إلى إسرائيل كدولة أبرتهايد مثيرة للاشمئزاز؟ كل شيء سيكون على ما يرام!!!”.

كون الدولة الصهيونية في فلسطين قد قامت على الإرهاب واتخذته استراتيجية ثابتة لبقائها، جعل اليمين المتطرف يقوى عبر إثارة الكراهية واعتماده سياسة ليس ضد الفلسطينيين فحسب، بل حتى ضد أي يهودي يخالف طموح ذلك اليمين وسياسته. ولطالما أكدت استطلاعات الرأي العام الاسرائيلي في الآونة الأخيرة أن العقيدة اليهودية أضحت المحرك الأول لإسرائيل تليها المصالح السياسية. وهذا كله لم يكن مستبعدا، فإسرائيل، القائمة على منطق القوة والعنصرية والاستعمار/ “الاستيطان”، فقدت قدرتها على التحول الى دولة ديموقراطية ويهودية ومحتلة في آن معا. وفعلا، بات استمرار الحال… من المحال!