نتنياهو وسياسة تخويف الإسرائيليين.. لماذا؟!
“يؤمن” رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أن القضاء على “هبة ترويع الإسرائيليين” الفلسطينية التي تواجهها الدولة الصهيونية تبرر جميع الوسائل بما في ذلك العقوبات الجماعية من إعدامات ميدانية وهدم منازل وغيره الكثير، مقتنعا بأن “سياسة تخويف الإسرائيليين” لضمان تأييدهم له هي الحل الأمثل. فقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي في خطاب افتتاح الدورة الشتوية للكنيست: “(العنف) الفلسطيني يعالج بعنف مضاد، والطرف الفلسطيني يندفع إلى “(العنف)” دون أية صلة بأفعال الدولة، تحركه كراهية غير عقلانية تجاه الإسرائيليين”!!!، وأضاف: “(الإرهاب) لا ينبع من الاحباط بسبب عدم التقدم في المسيرة السياسية؛ بل ينبع من الرغبة (الفلسطينية/ العربية/ الإسلامية) في إبادتنا”.
و(نتنياهو) يبث سياسة التخويف في المجتمع الإسرائيلي انتهازيا للبقاء في الحكم وذلك وفقا لتقييمات سياسيين ومحللين بارزين، ودائما على قاعدة أن “الأعداء” يتحينون الفرصة لإبادة اليهود، الذين لا مانع عنده من أن يعيشوا في ظل عقدة الخوف الأبدي من الفناء!!! فمنذ بدء الانتخابات الأخيرة، لجأ (نتنياهو) إلى سياسة التخويف، وقد فاز فيها “على خلفية ربطه كل المخاوف بعضها البعض، فقد أخذ إيران وأضاف إليها التخويف من العرب ثم من اليسار”، وهو ما أعلنته وزير العدل السابقة عضوة الكنيست اليوم (تسيبي ليفني). أما رئيس المعارضة الاسرائيلية (يتسحاق هرتسوغ) فأعلن: “نتنياهو يخيف (الشعب). يتمسك بالقيادة، ويلمح لركاب السفينة بالهلع، بدل أن يظهر لهم شاطئ الأمان. ولم يسبق لأي زعيم إسرائيلي أن استثمر مثل هذه الجهود الكبيرة للتخويف والتهديد”. من جانبه، وفي معرض انتقاده لهذه السياسة، قال رئيس إسرائيل السابق (شمعون بيرس) خلال مراسم إحياء ذكرى مرور 42 عاماً على وفاة رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول (ديفيد بن غوريون): “إسرائيل تتوق في الوقت الحالي إلى زعيم مثل بن غوريون حرص على الابتعاد عن بث الخوف والترويع وتعامل بجدية في كل ما يتعلق بعلاقات إسرائيل الخارجية وعمل على توحيد الصفوف عند ظهور الخلافات”.
لكن، لماذا يلجأ (نتنياهو) لسياسة تخويف وترويع الإسرائيليين؟! يقول (أوري سافير) أحد مؤسسي “معهد بيرس للسلام” ومدير عام سابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية: “من مصلحة نتنياهو تضخيم الخطر والتحريض الذي هو بحسب رأيه سبب الأحداث. ففي نظرته السياسية وليس الأمنية، أنه كلما زاد الخوف ازداد الاعتماد عليه من أجل إعادة الإحساس بالقوة والأمان. كما أن حملة الترهيب تنجح في اتهام الفلسطينيين من أبو مازن (بموجة الإرهاب الحالية)، وحتى المفتي (بالمحرقة النازية)، وبذلك يستطيع نتنياهو التهرب من أي حل سياسي للمشكلة”. ويضيف الكاتب الإسرائيلي (أفيغدور كلاينبرغ) بالقول: “نتنياهو يتناول أعراض انفجار العنف ومعالجته بواسطة العنف المضاد ـ لكنه لا يتحدث عن المرض (أي الاحتلال). فالناس “العاديين” (ومعظم ممارسي (الإرهاب) في الموجة الحالية ليسوا مقاتلين مهنيين أو متزمتين متدينين، بل أشخاص “عاديون” يعملون بلا خطة مرتبة وبلا أوامر من فوق) ما الذي يدفعهم للانطلاق على درب يؤدي سواء للمس بالآخرين أم لموتهم؟” ويضيف: “هذه هي اللعبة المحببة على نتنياهو، لانها تعبر عن صفر مسؤولية”.
بالمقابل، ظهرت نتائج هذه السياسة بشكل جلي في الشارع الإسرائيلي. ففي مقال بعنوان “خسرنا”، يفصّل المحلل السياسي (جدعون ليفي) ويعدد: “التحقيق مع ولد في الـ13 من عمره كما لو كان رئيس عصابة إجرامية.. دراسة سن قانون وحشي يسمح بسجن أولاد في عمر الـ12 عاماً.. إعدامات المهاجمين بالسكاكين وكأنها أمر روتيني مثير للإعجاب.. أعمال الضرب حتى الموت.. صحيح أن هذا لا يعني انتصاراً فلسطينياً كبيراً، وهو بعيد من ذلك، لكنه بالتأكيد خسارة إسرائيلية مصيرية. من دون سلاح طيران ومن دون دبابات، تحدى الفلسطينيون المجتمع الإسرائيلي، وفشل المجتمع في هذا التحدي”. وفي مقال بعنوان “كراهية حقيقية”، كتب (ناحوم برنياع): “السؤال الكبير هو في أي وضع سنكون عندما تخبو (موجة العنف)؟ ما الذي ستحدثه للمجتمع الإسرائيلي، لحصانته الداخلية، للقيم الأخلاقية، لمكانته في العالم، ما الذي ستحدثه للفلسطينيين؟ في هذه الأثناء، إنها تخرج من الطرفين أسوأ ما لديهما”. ويضيف كاشفا: “نتنياهو فقد شيئا ما – الكوابح التي ساعدته لأن يضع سدا أمامه. لقد حصل له هذا في الأشهر التي سبقت اغتيال رابين ويحصل له مرة أخرى في الأشهر الاخيرة. بلاغته أقوى منه. كراهياته، مخاوفه، حساباته الشخصية والسياسية تفوق المسؤولية الوطنية، تفوق الحقيقة أيضا”.
سواء بقصد أو بدون قصد، يتجاهل (نتنياهو) أن سياساته العدمية هذه تساعد، وبشكل مباشر، على توسع وانتشار “الهبة” في كل فلسطين التاريخية، بل وفي ديمومتها أيضا، فهو لا يعترف، ولا يرى نفسه مسؤولا عن ترسيخ سياسة “اللاأمل” لدى الشعب الفلسطيني، وعن سياسة “الخوف” التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي!!!