أصداء داخلية ودولية لنهج الإعدامات الميدانية الإسرائيلية

مع اندلاع “هبة ترويع الإسرائيليين” الفلسطينية، تفاقمت ظاهرة الإعدام/ الاغتيال الميداني التي تمارسها قوات الاحتلال بحق الشبان الفلسطينيين، بزعم نية هؤلاء الشبان تنفيذ عمليات طعن قد تكون حقيقية أو قد تكون بدون أساس! لذلك، نرى جنود الاحتلال – وفق تعليمات عليا صادرة إليهم – يسارعون إلى إطلاق النار حتى دون وجود خطر حقيقي يهدد حياتهم، ويقتلون هؤلاء الشبان وحتى الأطفال رغم سهولة اعتقالهم. وقد فاقم هذه الظاهرة، قيام حكومة اليمين المتطرف بمنح تراخيص للإسرائيليين لحمل السلاح الشخصي الأمر الذي زاد من مقارفات الاستهداف للفلسطيني لمجرد الشك بأنه “يشكل خطرا” أو يعتقد أنه في نيته تنفيذ عملية طعن، بحيث تعززت ممارسات ارتكاب جرائم الإعدامات الميدانية والقتل خارج القانون كنهج وسياسة معتمدة من المستوى الرسمي في إسرائيل.

لقد طالبت عديد المنظمات الحقوقية الدولية بتحقيق جدي في حوادث الاغتيال هذه، خاصة مع استمرار تجاهل الحكومة الإسرائيلية للدعوات بالتحقيق ومحاسبة الفاعلين الأمر الذي يعطي “الضوء الأخضر” لمزيد من هدر “الدم الأحمر” الفلسطيني في سياق من انتهاكات حقوقهم الإنسانية والاستهتار بحيواتهم. وكل هذا يتم في ظل تغييب سلطة القانون وانعدام الردع للقتلة من جنود وشرطة وقطعان “مستوطنين”، وعدم فتح تحقيق أو تسجيل ملفات جنائية ضدهم بالحوادث -كما يقتضي القانون- بحيث يجري منح غطاء لقوات الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرين/ “المستوطنين” باستخدام السلاح ضد الفلسطينيين، مع ضمان إفلاتهم من العقاب وعدم المساءلة والمحاكمة، وتبرير ممارساتهم بالقتل بزعم “الدفاع عن النفس”!!!

ومع تفاقم توجهات المجتمع الإسرائيلي اليمينية المتطرفة، تزايد منسوب التطرف والكراهية في الشارع الإسرائيلي (المتناغم دوما مع المؤسسة الحاكمة) مظهرا تأييد أغلبيتهم للإعدامات الميدانية. فقد أيد: “أغلبية الإسرائيليين الاعتداء بوحشية على فلسطيني جريح ولا يقوى على الحركة وإعدامه بادعاء أنه نفذ عملية”. وجاء هذا في استطلاع “مؤشر السلام” الذي أجراه “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” وجامعة تل أبيب حيث “أيد 53٪ من المشاركين إعدام أي فلسطيني ينفذ عملية حتى بعد اعتقاله ودون أن يشكل أي خطر”.

على صعيد متمم، حذر خبيران في الأمم المتحدة من أن تكون قوات الاحتلال الإسرائيلي قد لجأت إلى استخدام مفرط للقوة، ونفذت عمليات إعدام تعسفية بحق فلسطينيين. وعن ذلك، قال مقرر الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية (مكارم ويبيسونو) وخبير الأمم المتحدة حول الإعدامات التعسفية (كريستوف هاينز) إن: “هناك حالات استخدام مفرط للقوة من قبل قوات الأمن الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بينها بعض الحالات التي قد تعتبر إعدامات تعسفية مازالت مستمرة، وبعضها تم تسجيله على أشرطة مصورة”. وقد طلب الاثنان من سلطات الاحتلال “إجراء تحقيقات فورية ومستقلة في جميع الحالات المشتبه في كونها إعدامات خارج السياق القضائي”. وطبعا، وقع هذا الطلب على “أُذن من طين… وأُذن من عجين”!!!

من جهتها، أدانت منظمة العفو الدولية “أمنستي”، الاعدامات الميدانية الإسرائيلية المتزايدة، منددة باستخدام جيشها القوة الفتاكة دون أي مبرر. وقالت المنظمة “بناء على عمليات البحث والتحري التي قامت بها في الضفة الغربية والقدس، فإنها وثقت أحداث قتل فيها فلسطينيون، ليتبين أنهم تعرضوا للقتل دون تعريض أي حياة للخطر”. واعتبر المدير في المنظمة (فيليب لوثر) أن: “القوات الإسرائيلية لديها تاريخ طويل في تنفيذ عمليات القتل غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، وأن ارتفاع عدد الهجمات التي يشنها الفلسطينيون على إسرائيل منذ بداية شهر تشرين الأول/ اكتوبر لا يعطي أي مبرر لقوات الجيش والشرطة الإسرائيلية باستخدام القوة المميتة حين لا يقتضي الأمر ذلك”. وبحسب الطيار السابق بالقوات الجوية الإسرائيلية والمنتقد الحاد للاحتلال (جوناثان شابيرا) فإن سياسة الاغتيالات بدأت في 2001 (إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية)”، بل هي بدأت مع البدايات الأولى للتشكيلات العسكرية الصهيونية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي حين استهدفت الفلسطينيين عموما (وأحيانا أفرادا من قوات الانتداب البريطاني). كذلك، أصدر المرصد “الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” – وهو منظمة أوروبية مقرها الرئيسي في جنيف –تقريرا سجل فيه حقيقة كون الاعدامات الميدانية الإسرائيلية تمثل مخالفة لـ”مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة”.

إن ظاهرة الإعدامات/ الاغتيالات الميدانية التي تمارسها القوات العسكرية والشرطية وقطعان المستعمرين/ “المستوطنين” هي جزء من إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية بشكل يومي ضد الشعب الفلسطيني بواسطة آلة قتل منظمة خارجة على جميع القوانين والمواثيق والأعراف الدولية والإنسانية والأخلاقية. وهي – كما تثبت أشرطة الفيديو – فصل غير استثنائي من مقارفات الاحتلال القصد منها هو القتل المتعمد لتخويف وترهيب الفلسطينيين وثنيهم عن المشاركة بالمظاهرات والمواجهات بغية إخماد فتيل “الهبة”.