التدرج الإسرائيلي الخبيث في الاستيلاء على الحرم الشريف

هل إفساح المجال من قبل الأمن والشرطة الفلسطينية للفلسطينيين في عموم الضفة الغربية بالتظاهر والاصطدام مع الحواجز الإسرائيلية كما شاهدنا صباح 29/9/2015 هو قرار استراتيجي أم ظرفي؟ وهل – حقا – لم يتضح للجميع أن “حكاية” المسعى الإسرائيلي/ اليهودي في الاستيلاء على الحرم الشريف ليست جديدة؟! ثم، أوليس واضحا أن الدولة الصهيونية تسعى، منذ سنوات، عبر مخطط مبرمج لتهويد القدس والمقدسات الإسلامية، وعلى رأسها المسجد الأقصى؟!! فبعد فصلها حائط البراق وتسميته زورا بحائط “المبكى”، وحفر الأنفاق تحت كامل الحرم القدسي الشريف، وإقامة معابد وكنس ومدارس دينية يهودية مجاورة للحرم، ثبت إسراع تلك الدولة لمقاسمة المسلمين مسجدهم عبر التقسيم المكاني والزماني، وهو ما يتحقق تدريجيا على الأرض، وفقا لما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) شخصيا. فبالإضافة إلى مواقف فاضحة صدرت عن قيادات إسرائيلية عديدة، أخذ (نتنياهو) على عاتقه قيادة الاعتداءات والاستفزازات حين جال، بمرافقة أعداد كبيرة من شرطة الاحتلال، في ضواحي الأقصى بطريقة استفزاية.

وبعد أن بدأت عملية “اللعب على المكشوف”، قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي عملية استصدار قانون يجرم “المرابطين” المسلمين في الأقصى، ويضعهم في خانة واحدة مع “الإرهابيين”، ويسمح لشرطة الاحتلال باستخدام الرصاص ضد أي شخص يصد المستعمرين/ “المستوطنين” عن دخول المسجد الأقصى (أي سمح “بالإعدام الميداني”، بتعابير القانون الدولي) بعد أن رأى صمودهم ووقوفهم بوجه مخطط جيش الاحتلال بتنفيذ تهويد الأقصى. وفعلا، بدأت الأمور تخرج عن السيطرة. فالمواجهات العنيفة بين “المرابطين” وقوات الاحتلال تتواصل يوميا عقب اقتحامات باحات المسجد المبارك، وبات إطلاق قنابل الصوت والأعيرة المطاطية والاعتداء على المصلين بالضرب بالهراوات داخل المسجد مقارفة تتكرر. بل إن استمرار إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص تسبب مرتين خلال أسبوعين فقط باندلاع حريق عند مدخل المصلى القبلي، بعد أن عمدت قوات الاحتلال الى إغلاق أبواب ذلك المسجد بالسلاسل الحديدية. وفي خضم هذه الاقتحامات، وبعبارات خبيثة خادعة، أكد (نتنياهو) سعيهم لتقسيم المسجد زمانيا ومكانيا، إذ قال أنه “يريد الحفاظ على الوضع الراهن في المسجد الأقصى” (الذي هو، فعليا، وضع متحرك من فترة زمنية إلى أخرى، ودوما باتجاه مزيد من السيطرة الاحتلالية) بحيث يجيز لليهود دخوله في بعض الساعات بخلاف أوقات صلاة المسلمين، لافتا إلى “تحرك إسرائيل بكل الوسائل للحفاظ على “الوضع الراهن” (المتحرك) في (جبل الهيكل)”!!! كما أكد (نتنياهو) أنه سيسرع في سن قوانين صارمة تتعلق بإصدار أحكام بالسجن الإداري وهدم المنازل وفرض غرامات على عائلات “رماة الحجارة” والمولوتوف والألعاب النارية، فيما تحدثت القناة العبرية الثانية عن خطوات أمنية جديدة في القدس بحسب أوامر رئيس الوزراء الإسرائيلي منها فرض سنوات بالسجن تصل إلى 5 سنوات لكل من يلقي الحجارة، و10 سنوات لمن يقذف زجاجة حارقة، وفرض غرامة مالية تصل إلى 100 ألف شيكل لذوي القاصرين الذين يرشقون الحجارة.

 

عمليا، غير آبهة، تدفع الدولة الصهيونية الأمور نحو حرب دينية. والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى لم يعد مجرد مخطط نظري، بل بات – أو يكاد يكون – أمرا واقعا يطبق بالقوة، تماما كما حدث بعد مجزرة الإرهابي (باروخ غولدشتاين) في 25 شباط/ فبراير عام 1994 في “الحرم الإبراهيمي”، وكانت النتيجة تقسيمه زمانيا ومكانيا أمام المصلين المسلمين واليهود بذريعة “عدم تكرار الجريمة والحفاظ على الأمن والاستقرار”!! وفي هذا السياق، يشجع رد الفعل الرسمي والشعبي العربي (الباهت) (نتنياهو) على إزالة القدسية عن الأقصى، وكأن المسجد لم يعد بنظر العرب والمسلمين من المحرمات!!! فقد كرس (نتنياهو) صورة نمطية وروتينية بشأن التواجد اليهودي في المسجد، حتى يعتاد المصلون المسلمون عليه. وبعد أن كانت الاقتحامات الإسرائيلية في السابق موسمية تتم في الأعياد اليهودية، تم السماح للمستعمرين/ “للمستوطنين” القيام بالاقتحامات شبه اليومية لساحات الأقصى والتي يتخللها بعض الصلوات والطقوس التلمودية. كذلك، سمح لجنود وشرطة الاحتلال وبلباسهم العسكري، والمخابرات الإسرائيلية باقتحام ساحات الأقصى والقيام بجولات تفتيشية متنوعة بما فيها اعتقال الطلبة والتصدي لأهل القدس المناضلين الذين يحملون “العبء” النضالي الأكبر، وللمرابطين الشجعان الذين يقودهم – بالأساس – الشيخ رائد صلاح من فلسطين 1948. ورغم كل شيء، فإن الوضع المزري الراهن ليس ميئوسا منه في ظل موقف متطور للدولة الأردنية مقرونا بجهود فلسطينية وعربية أخرى. ويمكن للعرب والمسلمين – بل مطلوب منهم – تجاوز الخطاب الدبلوماسي/ السياسي الراهن، عبر سحب السفراء ووقف العمل بالمعاهدات كلما اقتضى الأمر، تجنبا لتأجيج الصراع على أسس دينية وهو الأمر الذي لا تحمد عقباه، مع ضرورة اتخاذ كل الخطوات العلمية لضمان كون المسجد الأقصى، كامل الحرم الشريف، لا يقبل الشراكة أو التقسيم.