هجمة اليمين الإسرائيلي على فلسطينيي 1948: فصل جديد

في الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن حقوق الإنسان وصيانة كرامته وحريته وحقه في العيش بسلام في بيته وأرضه، تصم عديد الدول آذانها عما يحدث للإنسان الفلسطيني الذي طبقت مؤسسات الحكم الإسرائيلية منذ عام 1948 ضده سياسات عنصرية بهدف طمس هويته العربية وتفتيتها. وهو الحال الذي يجعلنا نستذكر ما قاله مؤسس إسرائيل ورئيس وزرائها الأول (دافيد بن غوريون) في نهاية أربعينيات القرن الماضي من أن “قادة الحركة الصهيونية يريدون العرب المتبقين في وطنهم حطابين وسقاة ماء”. غير أن استمرار فشل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في تطويع فلسطينيي 48 ومن ثم استيعابهم ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي، دفعها للجوء إلى فرض الأمر الواقع “الديمغرافي”، عبر قوانين عنصرية، أصدرها وما زال يصدرها البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بحيث تخدم التوجهات العنصرية لجهة تفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها والإخلال في الميزان الديمغرافي لصالح اليهود. بل إن الأمر الثابت اليوم، وبحسب حركة “السلام الآن”: أن (2010) “شهد نشاطات “استيطانية” كثيفة ليس فقط في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، بل في الجليل والنقب أيضا”.

لقد سجل “الكنيست” في ولايته الحالية ذروة في سن القوانين العنصرية. وبحسب المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) في تقرير نيسان/ إبريل 2011: “بلغ عدد القوانين التي أقرت بشكل نهائي في الأشهر الـ 24 الماضية ثمانية قوانين هي: قانون الأراضي ويسمح ببيع أراض مصادرة لم تستغل للصالح العام، يجيز للحكومة عرض الأراضي التي بحوزتها وبحوزة “دائرة أراضي إسرائيل” للبيع. وقانون مزارع الأفراد لتوزيع الأراضي المصادرة في النقب على اليهود. وقانون الاستفتاء الشعبي ويلزم الحكومة بأن تحصل على أغلبية عددية من 80 عضو كنيست على الأقل، من أصل 120 نائبا، في حال شمل أي اتفاق سلام في المستقبل “انسحاب” إسرائيل من “أراض سيادية”، وهذا يسري عمليا على مدينة القدس المحتلة (الموسعة بحوالي 3 أضعاف ما كانت عليه في العام 1967) وهضبة الجولان السورية المحتلة، وأيضا على أراض قد يجري تبادلها مع الضفة الغربية وقطاع غزة. وقانون يسمح للمحاكم تمديد اعتقال أسير فلسطيني من دون حضوره للمحكمة لمدة ستة أيام. وقانون حجب التعويضات عن عضو كنيست. وقانون “النكبة” (الذي يحظر إحياء ذكراها). وقانون “لجان القبول”، وهو قانون يجيز لكل بلدة يهودية يعد سكانها بالمئات أو أكثر بقليل إقامة “لجان قبول” لكل شخص أو عائلة تطلب السكن في هذه البلدة. وقانون لسحب المواطنة ممن أدينوا بالمشاركة في عمليات أو تجسس، وهذا القانون يتناقض مع القانون الدولي الذي يمنع سحب مواطنة أي مواطن لا مواطنة أخرى له”.

من الواضح أن السياسة الإسرائيلية زادت، مؤخرا، من تشديدها على ما تسميه “الخطر الديموغرافي”. ويكفي الإطلاع على الإحصائيات الرسمية الإسرائيلية لمعرفة حجم العنصرية التي يواجهها فلسطينيو 48 في مختلف مناحي الحياة. فآخر هذه الإحصائيات تؤكد أنه “نتيجة للسياسة الإسرائيلية، فإن البلدات العربية “تحتكر” القائمة الشهرية للبلدات المنكوبة بالبطالة”. بل إن إسرائيل تعمل على صهينة شؤون المناهج التربوية العربية التي تدرس لتلاميذ فلسطين الـ 48 والعمل على منعهم من تعلم التاريخ الفلسطيني، حيث يتم إلزام التلاميذ بتعلم المناهج الاسرائيلية مثل تاريخ “الامة اليهودية”. كما باتوا ملزمين بتقديم امتحان في موضوع “المحرقة” ضمن مادة التاريخ للثانوية العامة، علاوة على منعهم من دراسة مواد عن التاريخ والشعر والنكبة الفلسطينية. وفي هذا تقول (هالة اسبنيولي) رئيسة لجنة متابعة قضايا التعليم العربي ان وزارة المعارف الاسرائيلية تقوم “بصهينة المناهج التعليمية العربية”، وتضيف: “نحن نتعلم في المدارس عن شعراء الصهيونية ولكننا لا ندرس عن محمود درويش او سميح القاسم او توفيق زياد. ليس لدينا مانع ان ندرس المحرقة لانها حدث انساني، لكنهم يسنون قوانين تمنعنا من تعلم تاريخنا ومن احياء نكبتنا، ويوما بعد يوم يزدادون عنصرية وعداء للعرب”. أما (أيمن اغبارية) الاستاذ المحاضر في جامعة حيفا والباحث في السياسات التربوية فيقول: “ان مضامين المناهج المدرسية للعرب صهيونية منذ قيام الدولة العبرية ولا تقوم هذه المناهج على تغييب الرواية الفلسطينية فقط، بل تعمل ايضا على أن يقبل الفلسطيني بدونيته وهامشيته كحل أخلاقي، في ربط وجوده كمواطن عربي داخل دولة اسرائيل”.

الخطة الصهيونية لطرد أبناء فلسطين من الأراضي المحتلة عام 1948 مستمرة باعتبارهم “خطر” أساسي على وجود إسرائيل. لذلك، يتم وصفهم تارة بالقنبلة الموقوتة وأخرى بالخطر الديموغرافي. وفي كتاب حديث كاشف للحقائق والمشاعر الصهيونية العارية، يقول البروفيسور (دان شفتان) في كتابه (فلسطينيون في إسرائيل): “ليس لنا خيار حل في الجانب السياسي في قضية العرب في اسرائيل، انهم غير مستعدين لقبول حل أقل مما يُرى انتحارا للدولة القومية اليهودية”. ويخلص (شفتان) في كتابه إلى أن المسار المطلوب للحفاظ على اسرائيل باعتبارها دولة يهودية ديمقراطية هو التوصل الى مصالحة تاريخية مع العالم العربي: “يقتضي الامر مصالحات صعبة في المجال الامني وفي مجال الصلة بمهد وجود (الشعب اليهودي). يثير هذا المسار الحاجة الى مواجهة أقلية كبيرة تزيد على مليون مواطن عربي يناهضون من الداخل الشكل والهوية اليهوديين الديمقراطيين لاسرائيل. ستكون هذه أكبر معضلات إسرائيل في الداخل. وحتى لو وُجد حل للصراع مع العالم العربي ومع الفلسطينيين فسيكون هذا هو المجال التالي الذي سيحاولون فيه سلب اسرائيل شرعيتها”. وفي مكان آخر في هذا الكتاب الكاشف يقول (شفتان): “ليس هذا موقفا سياسيا قد يتغير، بل هو عنصر مهم في هويتهم العربية. انهم باعتبارهم مجموعة يسعون الى خراب المشروع القومي اليهودي. ليس الصراع عرقيا بل قوميا. فهنا شعبان يتصارعان على البلاد. يشعر العرب بأنهم شعب مستقل ويؤكدون ذلك، ولهذا يرفضون فكرة الأسرلة. إن (عرب اسرائيل) حالة متميزة. فليس الحديث عن أقلية وأكثرية، بل عن أقلية ذات عقلية أكثرية، إزاء أكثرية يهودية ذات عقلية أقلية”!!

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى