فكر داعش: ظاهرة جديدة؟!!

لا نختلف مع أحد على أن فكر تنظيم “داعش” مقيت، مزعج، ومرفوض. وما التنظيم سوى مجموعة من عصابات إجرامية مسلحة ومنظمة قدمت من كل أصقاع الأرض، تقتل الناس في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، وتشرد من لا يؤمن بأفكارها و”حقها” في تأسيس وطن لعناصرها القادمة من كل أنحاء الأرض تسميه زورا (الدولة الإسلامية)!!! ولكن الأمانة تقتضي أن نسأل: هل هذا الفكر هو – حقل – ظاهرة جديدة؟! ودون الإيغال في التاريخ البعيد المليء بظواهر الفكر التكفيري والذي يبرر قتل كل معارض، يتبين أن العالم العربي مليء في عصره الحديث بمجازر ومذابح أساسها كلها فكر إجرامي (على “النسق الداعشي” وسابق له زمنيا) جوهر نظامه السياسي فكر ثيوقراطي يدعي أنه يستمد الحاكم فيها سلطته مباشرة من الإله أو من ممثلي أفكاره من غلاة متدينين. ومن جهتنا، نحن مع كل من يقول أن “داعش” صاحبة تاريخ دموي، إلا أن مجازر ومذابح ارتكبت على يد آخرين (متزمتين دينيا أو قوميا) في أزمنة وظروف سياسية معينة لا تقل بشاعة عن جرائم داعش. ونكرر السؤال: هل الفكر الداعشي جديد؟

قبل أي شيء، لا يمكننا تجاهل الدولة الصهيونية وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني، فالاثنان معا “داعش” و”الدولة الصهيونية” (والتي يصرون اليوم على تسميتها “الدولة اليهودية” وأختار أن أسميها “الدولة المتهويدة”) يشتركان في الجذور والآفاق. و”داعش” – بمعنى معين – هي الوجه الآخر “لإسرائيل”، حصاده فظاعات، جرائم وحشية، مجازر ضد الأبرياء العزل، زرع الخوف والرعب في قلوب الكبار قبل الصغار، وغير ذلك كثير. وكل منهما يضطهد الإنسان على أساس عرقي. وكلاهما، أيضا، يخلف وراءه، كما الطاعون، آلاف الضحايا من كل الأعمار، يرافقهما عمليات هدم وتدمير لأحياء سكنية كاملة يصبح الآلاف من أهلها مشردين لا ملاذ لهم. فما تفعله “داعش” سبق أن فعلته وما تزال تفعله إسرائيل مرات ومرات، على امتداد المجازر في “دير ياسين” وغيرها، مرورا ولا نقول انتهاء بحرق الرضيع علي الدوابشة، ثم وفاة والده متأثراً بجراحه، بأيدي جماعات إرهابية يهودية، سبقها – حيا – حرق الطفل محمد أبو خضير، فضلا عن جرائم إحراق وتدمير مساجد وكنائس أثرية وبيوت وحقول على امتداد فلسطين التاريخية طوال سنوات مضت.

أيضا، نحن نتذكر ونشير إلى الحرب الأهلية في لبنان (1975 – 1990)، التي انتشر فيها الذبح على الهوية، بل وأحيانا على اللهجة. فالغلاة من المسيحيين الموارنة قتلوا وأبادوا آلاف المسلمين العزل أشهرها مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا في 16 أيلول/ سبتمبر 1982 واستمرت لمدة ثلاثة أيام على يد المجموعات الانعزالية اللبنانية المتمثلة بحزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي بالتعاون والتنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث قدر عدد القتلى بـ 6000 قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح، أغلبيتهم من الفلسطينيين ولكن من بينهم أشقاء لبنانيون أيضا، حيث قامت القوات “المسيحية” (“المتمسيحة” كما أحب أن أسميها) بتنفيذ المجزرة التي هزت العالم ودونما رحمة وبعيدا عن الإعلام، مستخدمة الأسلحة البيضاء وغيرها في عمليات التصفية للسكان العزل. يومها استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية ليجد جثثا مذبوحة بلا رؤوس ورؤوسا بلا أعين ورؤوسا أخرى محطمة! وبادلهم الإجرام بعض ممن قاتلوهم باسم الإسلام (السني والشيعي على حد سواء) بل شارك في ذلك الإجرام بعض من “الماركسيين” و”التقدميين” و”ليبراليين لبنانيين وفلسطينيين” ممن نسوا انتماءاتهم التنظيمية والسياسية وخلعوا عن أنفسهم أفكارهم التقدمية ومارسوا المقارفات ذاتها بعيدا عن أخلاق الدفاع المشروع.

كذلك، نفذت قيادات وعناصر من حركة أمل (من الذين يصنفون أنفسهم “شيعة”!!!) عدة مجازر في “أهل السنة” في حق سكان بيروت الغربية ومخيمات الفلسطينيين، خاصة فترة حرب المخيمات في 1985، حيث قامت الحركة بقتل الجرحى وذبح الكثيرين بجز الأعناق، بل إننا نتذكر نسف الحركة لأحد الملاجئ في 26 أيار/ مايو 1985 الذي كان يوجد فيه مئات الشيوخ والأطفال والنساء. وبادلهم بعض خصومهم التكفير بالتكفير، والجرائم بالجرائم! وإن نحن عدنا بالزمن إلى الوراء قليلا، في عام 1860، فقد قتل “دروز” من المسيحيين حوالي 20 ألف شخص، كما دمرت أكثر من 380 قرية مسيحية و560 كنيسة. وأشعلت هذه الخلافات سيلا من أعمال العنف المتبادل اجتاحت لبنان بكامله!!!

خطر داعش لن يزول بين ليلة وضحاها، بل هو يزداد شراسة وعنفا، وهو خطر يكمن في انتشار فكر التطرف، واتساع دائرته، وتزايد أتباعه، وتحوله إلى جزء من “ثقافة” المجتمات العربية المعاصرة!!! ونكرر إن حل مشكلة داعش وأخواتها مفتاح لحل عديد المشاكل المستعصية الأخرى في العالم العربي، وذلك عبر الثقافة المعاصرة (ثقافة المواطنة والعلمانية) وكذلك عبر خطاب إسلامي حداثي معتدل يؤسس للدولة المدنية ويرفض “تسييس الدين” أو “تديين السياسة”، مع إعادة طرح واعية لموضوع التراث لتخليصه من كل ما يعلق به من خزعبلات ودموية مقيتة!

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى