عن شمولية التمييز والفصل العنصري في إسرائيل

من المستحيل الفصل بين مصاعب الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي، فالفلسطينيون جميعا واقعون تحت وطأة التمييز والفصل العنصري الصهيوني الممنهج. ومن الأمثلة البارزة، جدار الفصل العنصري الذي تعتبره الدولة الصهيونية “جزء من أمنها القومي” كما أكد قبل أيام رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، أدى لفصل عشرات الآلاف من الفلسطينيين عن مركز حياتهم المدني الذي ينتمون إليه، وأصبحت مغادرة أي فلسطيني للحي الذي يعيش مفعمة بالمشاق والصعوبات والإهانات وربما تستغرقه ساعات طويلة، حتى ولو كان لتلقي خدمات الطوارئ. وعلى سبيل المثال، لنتذكر ما تواجهه مدينة القدس المحتلة: فقد نشرت “جمعية حقوق المواطن”، المنظمة الحقوقية الإسرائيلية، في منتصف آب/ أغسطس الماضي، تقريرا بعنوان “حياة المقدسيين خلف الجدار.. أولها عذاب وآخرها سراب”، أكدت فيه أن: “جدار الفصل العنصري في القدس المحتلة حوّل الكثير من أحيائها لمناطق عشوائية تكابد الإهمال الفاضح وعزل ثلث سكانها (نحو 120 ألف مقدسي) عن مدينتهم”. وفي تقريرها الذي جاء بمناسبة مرور عشر سنوات على بناء “الجدار”، توضح الجمعية أن: “الحكومة الإسرائيلية أخلت بتعهداتها أمام المحكمة العليا باستمرار سير الحياة السويّ لدى سكان الأحياء المقدسية”. كما تطرق التقرير إلى “الوعود الزائفة للحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالتعليم، كبناء مؤسسات تربوية جديدة، فضلا عن عدم تطبيق واجبات وزارة الصحة في ظل خدمات صحية سيئة”.

ومن أشكال التمييز والفصل العنصري المتواصلة في الضفة الغربية قطع إسرائيل للمياه عن القرى والمدن الفلسطينية ومصادرة معظمها لصالح المستعمرات/ “المستوطنات”. وتؤكد إحدى الدراسات الحديثة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن إسرائيل تهيمن بشكل كامل على المياه الفلسطينية بينما لا تعمل على تطوير المرافق المائية لها. فالمواطن الفلسطيني يسمح له باستهلاك ما لا يزيد عن 50 مترا مكعبا سنويا في حين يخصص “للمستوطن” 2400 متر مكعب سنويا، علما بأن إسرائيل تستولي على 800 مليون متر مكعب من مياه الضفة مقابل حوالي 130 مليون يأخذها الفلسطينيون مدفوعة الثمن. كذلك،  تجبر إسرائيل الفلسطينيين على دفع ضعف ما يدفعه الاسرائيليون ثمنا للمياه في المعدل رغم أن دخل الاسرائيليين يزيد عن دخل الفلسطينيين بـ26 ضعفا.

أما في فلسطين 48، فقد كشف بحثان جديدان صدرا عن معهدين إسرائيليين مؤخرا، تنامي سياسة التمييز العنصري تجاه فلسطينيي 48، خاصة في سوق العمل في القطاعين العام والخاص على حد سواء. وقال “معهد الديمقراطية الإسرائيلي” إن: “اليهودي الإسرائيلي يحظى بفرصة عمل أسرع بأربعة أضعاف فرصة طالب العمل من فلسطينيي 48، دون النظر إلى مؤهلات الفلسطيني الملائمة للوظيفة أكثر من مؤهلات طالب العمل اليهودي”. ويرى البحث أن: “غالبية العاملين من فلسطينيي 48 من ذوي المؤهلات العلمية والمهنية، يعملون في وظائف أقل من مؤهلاتهم، بسبب قلة فرص العمل”. أما البحث الثاني الذي أعده معهد “طاوب” الإسرائيلي للأبحاث الاجتماعية، فقال إن: “ثلث الصيادلة (33%) في إسرائيل هم من فلسطينيي 48، رغم أن الفلسطينيين يشكلون 15% من القوى العاملة ككل، وأن الصيادلة العرب يعملون بمعدل رواتب أدنى من رواتب الصيادلة اليهود بنحو 40%”.

في مقال بعنوان “السياسة الاسرائيلية تدعم التمييز العنصري” كتب (برادلي بيرستون) في “انفورميشن كليرنغ هاوس”: “اعتدت أن أكون من أولئك الذين يعارضون وصم إسرائيل بالتمييز العنصري… لم أعد واحدا من هؤلاء الاشخاص… هذا هو ما أصبح سيادة قانون: التمييز العنصري. نحن نتيجة لما صنعناه. نحن نتيجة لما نفعله، والاذى الذي نفعله بألف طريقة لملايين الآخرين. نحن نتيجة لما نشيح أبصارنا عنه. إسرائيلنا هي ما أصبحت عليه: التمييز العنصري”. ويضيف: “ماذا يعني التمييز العنصري بالنسبة الى الاسرائيليين؟ رجال دين متعصبون يتقدمون العمل باتجاه تعميق الفصل العنصري واللامساواة وسيادة جماعة معينة واستعباد غيرها. يعني مئات الهجمات التي يشنها المستوطنون على ممتلكات الفلسطينيين وأرزاقهم وحياتهم دون إدانة أو توجيه تهم أو حتى اشتباه. يعني التمييز العنصري اعتقال عدد لا يحصى من الفلسطينيين دون محاكمة واطلاق النار عليهم وقتلهم دون محاكمة ودون سبب وجيه”. ويختم: “حدث سابقا أن ميزت بين سياسات بنيامين نتنياهو وهذا البلد الذي أحببته لمدة طويلة. لم أعد كذلك. فكل يوم نستيقظ فيه يشهد انتهاكات فاضحة. اعتدت كوني شخصا يريد الإيمان بأن ثمة حدودا أخلاقية وديمقراطية أو قيودا براغماتية، لكن ذلك بات غير موجود لمدى تدني مستوى رئيس الوزراء ومدى رغبته في الانحناء للمؤيدين الفخورين بالتمييز العنصري من أجل تعزيز سلطته”.