إسرائيل: دولة أبارتايد… إلى أين؟

أ.د. أسعد عبد الرحمن

نقل عن رئيس الوزراء الإسرائيلي في حرب العام 1967 (ليفي إشكول) قوله إن إسرائيل: “أرادت جهاز العرس (أراضي الضفة الغربية)، وإنما ليس العروس (الفلسطينيون الذين يعيشون على تلك الأرض)”. وسريعا، شرع الاحتلال الإسرائيلي في عملية نقل اليهود إلى المستعمرات/ “المستوطنات” الجديدة التي أنشأها، وظلت تتزايد بلا توقف. واليوم، بعد 48 عاماً، أصبح أكثر من (600.000) مستعمر يهودي يعيشون في “المستوطنات” المنتشرة في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وبهذا، خلقت إسرائيل نظام فصل عنصريا واستمرأت فرض قوانين “الأبارتايد” العنصري التي لن يكون آخرها الحظر على الفلسطينيين ركوب حافلات يستقلها إسرائيليون في الضفة الغربية.

بموجب اتفاقيات جنيف للعام 1949، يصبح الجيش الغازي قوة احتلال بمجرد أن تتوقف العمليات العسكرية. وبموجب المادة 49 من الاتفاقيات، لا يجوز لهذه القوة أن تصادر أو تضم أي جزء من الأراضي المحتلة، أو أن تقوم بترحيل المدنيين بالقوة. وأثناء وبعيد حرب 1967، غادر ما يقارب الـ (300.000) فلسطيني و/ أو أجبروا على مغادرة منازلهم ثم قام الاحتلال بترحيلهم لاحقا. هذا، علاوة على ما يقارب (130.000) آخرين من مرتفعات الجولان السوري. كما منع الاحتلال الصهيوني لاجئي 1967 من العودة بشكل قانوني إلى منازلهم وأراضيهم، ودمر العشرات من البلدات والقرى من أجل منع سكانها العرب من العودة إليها. بالإضافة إلى ذلك، قامت دولة الاحتلال بمصادرة وضم الأراضي الفلسطينية المحتلة حديثا بما فيها القدس الشرقية.

في مقال للمحامي الإيرلندي المتقاعد للحقوق المدنية (جيل ماغوير) بعنوان “عندما يتحول الاحتلال الاسرائيلي الى نظام فصل عنصري”، يشير الكاتب إلى دراسة الإسرائيلي (آفي راز) تثبت بما لا يدع مجالا للشك كيف تمكنت إسرائيل بنجاح من إجبار مئات الآلاف من الفلسطينيين على مغادرة الضفة الغربية، ثم استخدمت بعد ذلك “دبلوماسية المراوغة” الهادفة إلى خداع الولايات المتحدة وحلفائها، بدفعهم إلى الاعتقاد بأنها كانت مستعدة للسماح للاجئين الجدد (النازحين) بالعودة، وبأنها ستعيد الأراضي التي احتلتها خلال الحرب. وتخلص الدراسة بحسب (ماغوير) إلى أن “إسرائيل لم تكن راغبة أبداً في مقايضة الأراضي المحتلة بالسلام، وأنها استخدمت “خدائع السياسة الخارجية” لإخفاء تلك الحقيقة عن حلفائها، وخاصة الولايات المتحدة التي خشيت إسرائيل أن تجبرها على إعادة الأراضي المحتلة أو تمتنع عن بيعها الطائرات والأسلحة المتطورة التي تريدها”.

جريمة الفصل العنصري (الأبارتايد) نراها اليوم بوضوح في تعامل الاحتلال مع الفلسطينيين: الحرمان من الحق في الحياة والحرية، إخضاعهم للاعتقالات العشوائية ومصادرة الممتلكات، حرمانهم من الحق في مغادرة البلد والعودة إليه و/أو حرية التنقل والإقامة، إنشاء معازل… وغيرها. ففي فلسطين 48 ما يزال نحو (274.000) من “عرب إسرائيل” يعيشون كلاجئين لم يُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم بعد نهاية الحرب رغم أنهم، بالقانون الإسرائيلي، “مواطنون شرعيون في إسرائيل”. أما في الضفة الغربية المحتلة، فيُجبر الفلسطينيون على العيش في جيوب ومعازل (المنطقة أ)، محاطة بالمناطق العسكرية الإسرائيلية (المنطقة ب). أما (المنطقة ج) التي تشكل نحو 61% من مساحة الضفة فتضم أكثر من (300.000) “مستوطن”، في حين أن الإسرائيليين الذين “استوطنوا” الأراضي المحتلة 1967 يتمتعون بكامل الحقوق المدنية، بينما يعيش فلسطينيو الضفة تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، دون أي حقوق مدنية، ولا يمتلكون حق التصويت في الانتخابات الوطنية الإسرائيلية… أي يعيشون في ظل الفصل العنصري (الأبارتايد).

(ديفيد شولمان) الأستاذ الإسرائيلي البارز في الجامعة العبرية في القدس، يصف الوضع الحالي السائد فيقول: “واقعيا، انتقلت إسرائيل أكثر، وعن علِم، نحو نظام فصل عنصري مؤكد. ويستطيع الذين لا يحبون الكلمة اقتراح كلمة أخرى لما أشاهد يحدث كل أسبوع في المناطق، وأكثر وأكثر في داخل الخط الأخضر”. كذلك، ترصد الكاتبة الإسرائيلية (أميرة هاس) أدلة متزايدة على الفصل العنصري لدى فلسطينيي 48: “عندما تنظر إلى جغرافيا الفلسطينيين في إسرائيل، فإنك ترى الجغرافيا نفسها، إنهم محاصرون في جيوب. إنهم محرومون من أرضهم. وقد أخذ اليهود منهم معظم أراضيهم من أجل الاستيطان، مع أنهم مواطنون إسرائيليون… إنهم محشورون جميعاً ومعبأون في بيوت بلا فضاء للتنفس، ومن دون أراض زراعية…. إن الجغرافيا السياسية للدولة الإسرائيلية متشابهة جداً على كلا جانبي الخط الأخضر”. أما الكاتب (شاؤول اريئيلي) فيخلص إلى القول أنه مع استمرار سياسة الفصل العنصري (الأبارتايد): “اليمين المتطرف الذي يؤيد الدولة الواحدة يريد أن يأخذ ولا يعطي، لذلك هم يقدمون اختراعات كثيرة مثل المواطنة والتوطين التدريجي أو الحكم الذاتي الجزئي. الطريق المسدود القائم اليوم سيؤدي بنا بالتدريج إلى الانفجار”.