زيد الكيلاني: صديق الوطن… وصديقي

إن أنت قلت أنه “رجل علم” عز نظيره، فلربما ظن البعض أنك تُبالغ! وإن أنت أعلنت أنه “رجل أخلاق” لا يبارى، فلربما اعتقد البعض أنك تحسن الظن على نحو فيه تعظيم مهول! وإن أنت أكدت أنه “رجل العصامية”، فلربما أخذ عليك البعض جنوحك نحو التجاوز العاطفي! وإن أنت صرّحت بأنه “رجل التواضع”، فلربما رماك البعض بكون محبتك له قد أعمت عندك البصر والبصيرة على حد سواء.

لكن ماذا تراك تقول عن رجل يطلب العلم “ولو في الصين” فينجح بتفوق، ثم لا يرتوي فيتابع التحصيل العلمي الذاتي بعد التخرج وكذلك أثناء مزاولة عمله في مهنته. ثم يمضي في رحلة العلم – مقيما وزائرا – في نخبة من الجامعات والمراكز المتخصصة غائصا، حتى أعمق الأعماق، إلى ما يأخذه من مرحلة التعلم إلى مرحلة التعليم، والابتكار، والابداع في نطاق مهنته كطبيب.

غير أن كل ذلك ما كان له أن يعمّر ويدوم لولا أن صاحبنا “رجل أخلاق” على نحو رفيع. فالطبيب، أكثر من أي مختص آخر، لا خير فيه ولا في علمه إن لم يكن مغموساً بالأخلاق الحميدة. فما الفائدة من طبيب (أو غيره من أهل الاختصاص) وقد أصبح العلم عنده وسيلة للكسب المادي (غير المشروع غالبا)؟ وكيف يبقى العلم (حتى لو واكبه الابتكار والابداع) ماكثا في الأرض وهو لا ينفع الناس إلا بقدر ما يدفعون (أو، بالأحرى، بقدر ما يتعرضون له من استغلال بل من ابتزاز مالي)؟ وهل يبقى عطاء العلم (بالذات في الطب) ما لم يلتحم بروح العطاء الانساني متجرداً من كل “مص” لدماء جيوب المريض وعائلته. وإنما (الأطباء) الأخلاق ما بقيت، فإن همو ذهبت أخلاقهم … ذهبوا”! وصاحبنا، د. زيد، مغموس بل معجون بالأخلاق الحميدة وفي الطليعة منها: الإنسانية الحقة.

وتزداد الفرادة عند د. الكيلاني حين يعلم القاصي والداني أن صاحبنا لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، فهو قد ولد وفي فمه رحيق العصامية الأكيدة! فقيرا ماديا، نشأ وترعرع. وفقيراً، تابع رحلة التحصيل العلمي ومرحلة التخصص العلمي اللاحقة. و”فقيراً”، لا يزال حين يقاس الأمر بشهوة المال والشبق الإنساني المعهود تجاهه. بل إنك لواجد في صاحبنا زهداً إزاء المال (وأيضا في ملذات الحياة الدنيا عموما) لأنه اختار تعزيز صفة “رجل العلم” في نفسه، متفرغا له، ممارسا إياه بأخلاق “العالم” وليس بأخلاق “التاجر” الباخس … بل فأكثر. فصاحبنا “رجل خير” ليس فقط في تجاوزه حقوقه المالية لدى مرضاه فحسب، وإنما هو أيضا “رجل عطاء” كريم خارج مشفاه وعلى امتداد وطنه. هو صديق للوطن.

والدكتور زيد، أخيرا وليس آخرا، تجسيد للتواضع حين تراه يمشي على قدمين! يمشي على الأرض هونا، لا يختال بعلمه وإنجازاته، ويغمره الهدوء في صوته ومشيته. وهو نقيض للشخصية الطاووسية إذ هو يحلق طائرا بجناحين من حياء وخفر! لله درّه من طبيب، لله درّه من انسان. لله درّك يا زيد الكيلاني إذ وهبت العلم ما وهبت، ومنحت الوطن ما منحت. ومحضتني صداقتك على مدى ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاما أسهمت فيها، ضمن إنجازات عديدة، بما اعتبره إنجازا كبيرا لي حين ساعدت في “إخراج” أطفالي إلى “العلن”: باسل، وفدى، وجنى، وباري … وما أنجبه بعضهم من أحفاد!

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى