بعض المنشور على “المواقع” العربية: احتراس متوجب
في عصر المعلومات الجاهزة والفورية، انتشرت حروب التضليل بكثرة آخذة معها الرأي العام إلى مكان أبعد ما يكون عن الحقيقة. فكتابة الدراسات والمقالات الصحفية ونشرها في وسائل الإعلام هي، في الأصل، جاءت من أجل الصالح العام وخدمة المجتمع وتنويره بالحقائق. غير أنه، في عصر المعلومات والإمكانيات العظيمة المتاحة لاستحضار “كل” المعلومات من الشبكة العنكبوتية، ثبت أن بعض ما هو منشور، خاصة على الشبكة العربية، يجب أن لا يؤخذ به على أنه حقيقة علمية ومنطقية مسلم بها.
في الماضي، سيطرت الصهيونية العالمية سيطرة تامة على وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، والتي كانت تحتاج إلى ملايين الدولارات لدعمها ولعشرات الإعلاميين المهنيين لإدارتها. غير أن الحال الآن، في عصر الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي، اختلف. فإقامة موقع الكتروني هذه الأيام بات لا يحتاج إلى دعم مالي يقصم ظهر داعميه، ولا إلى إعلاميين مهنيين لإدارته لإيصاله إلى الملايين حول العالم.
هنا يجب التأكيد أولاً، على أهمية توفر المصداقية عند نشر أي مقال لخدمة قضية ما أو وجهة نظر في ميادين الوسائل الإعلامية المختلفة. فالحالة هي نفسها عندما يترافع المحامي أمام المحكمة ويبين حقوق موكله المستندة على براهين ملموسة لا يشوبها شائبة. ناهيك عن ضرورة كونها خالية من غش وخداع، وإلا فقد كاتبها مصداقيته. ولنأخذ مثالا عملياً تم فيه خداع الكثير من الكتاب في العالم العربي. فهناك على الإنترنت موقع يحمل اسم “Veterans Today” (VT)، يقتبس منه كثير من الكتاب والمواقع العربية باعتباره يقدم مقالات “ضد الصهيونية”، لكن وظيفة الموقع هي، في الحقيقة، عكس ذلك. هنا، ينبغي التفريق بين ما هو ضد الصهيونية وما هو ضد الديانة اليهودية. فالذي يأخذ موقفا ضد الصهيونية إنما هو ضد التمييز العنصري المقزز، والتمييز الديني المقيت، والاستعمار الاستيطاني الصهيوني البغيض، وهو ما لا نجده في الموقع المذكور. أما الذي يعادي اليهودية كدين سماوي فهو شخص تكفيري مستكبر متعصب غير متسامح تحكم نفسه “الأمارة بالسوء” المادية والأنانية، وهو – حقيقة – ما ترسخه مقالات الموقع المذكور. لهذا يتوجب علينا التثبت والاستقصاء العميق عما تمثله VT والحذر من سموم مقالاتها، خاصة تلك التي تتعلق بالقضية الفلسطينية التي يزعم الموقع تأييدها بالمطلق!!
في عام 2012، نشرت Veterans Today مقالاً لمراسلها في الشرق الأوسط (فرانكلين لامب) يقول فيه: “أن الستة عشر وكالة استخبارات أميركية أصدرت تقريراً مؤلفا من 82 صفحة يتنبئا “بزوال دولة إسرائيل في عام 2022”. وللعلم فقط، فإن المجموعة الاستخبارية الأميركية مؤلفة من 17 وكالة، وليست 16، تجتمع تحت مظلة فدرالية واحدة يرأسها مدير الاستخبارات الوطنية وهو تابع بطريقة مباشرة للرئيس الأميركي. وثابت الآن أن هذه “المجموعة” لم تقم، بتاتاً، بإعداد تقرير يتنبأ بزوال إسرائيل كما ادعى الكاتب، رغم أن هذا الأمر لا يعني بتاتاً بأن نظام “الأبرتايد” العنصري/ الصهيوني/ الاستعماري “الاستيطاني” في إسرائيل لن يلاقي نهايته، آجلا ام عاجلاً، كما حدث للنظام البائد في جنوب إفريقيا الذي تم دفنه في مزبلة التاريخ. ولكن النقطة هنا هي أن القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى تلفيق من أي نوع على الشبكة العنكبوتية أو غيرها لأجل دعم حقوقها المشروعة التي يعترف بها القانون الدولي والشرعية الدولية.
وإذا ما نحن دققنا في الاقتباسات المأخوذة من الكتاب العرب، نقلا عما تنشره VT، نجد أنهم بالفعل قد خدعوا. وفي هذا السياق، لنتذكر أولا: (جوردان دوف) هو رئيس مجلس إدارتها ورئيس التحرير أيضاً، وهو كاتب معروف بهوسه وشغفه بالمؤامرات التي يراها في كل مكان. ومعظم مقالات (دوف) هذا، نقلت حرفياً وثم نشرها على مواقع كثيرة مهووسة بنظرية المؤامرة ومنها:Signs of Times, White News Now, Stormfront, Militan Liberatarion, وكلها “اشتهرت” في الولايات المتحدة بأنها مواقع “عنصرية تدعم الجنس الأبيض”. ثانيا: في تشرين أول/ أكتوبر 2012، كتب (دوف) مقالاً سخرت منه كل الصحافة الاميركية ادعى فيه بان “القوات العسكرية الأميركية والصينية معا اشتركت في معارك بحرية ضد الصحون الطائرة قبالة مدينة سان فرانسيسكو”!!!
ومن أسف، أن بعض الكتاب أو الإعلاميين العرب ما زالوا محافظين على “مصداقيتهم” في العالم العربي رغم اعتمادهم على موقع Veterans Today كمصدر للمعلومات. والأمر لا يقتصر على الموقع هذا وإنما يتعداه للمواقع الأخرى (المذكورة أعلاه… وغيرها) التي تبث السموم المتنوعة. لذلك، يتوجب على كل باحث عدم التسرع بنقل ما ينشر هنا أو هناك على الإنترنت، وعليه تمحيص ما هو منشور حتى لو تكرر على مواقع عديدة، وأن يكون شعاره دوما: التريث والتفحص قبل نشر المعلومات، أي معلومات!