التوتر الأمريكي الإسرائيلي: سطحي أم عميق؟

تدهور العلاقات بين الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) ورئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أدى إلى بعض الفتور إن لم يكن الضرر السياسي في العلاقة القوية تاريخيا بين البلدين خاصة بشأن ما تسميه إسرائيل “كيفية كبح جماح البرنامج النووي الايراني”، الى جانب الخلاف بشأن محادثات التسوية مع منظمة التحرير الفلسطينية. ولطالما أكد المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون على أن مجالات التعاون الرئيسية بينهما لم ولن تتأثر، إلا أن الصدع يبدو أنه الأسوأ من نوعه بين البلدين، وقد تكون له – في عيون مراقبين إسرائيليين ويهود أمريكيين – آثار بعيدة المدى.

المزعج لإسرائيل في هذه المسألة، هو إمكانية ألا تحمي واشنطن إسرائيل في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، خاصة مع لجوء السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية لطرح شكاويها ضد إسرائيل، مع فقدان الاتحاد الأوروبي لصبره على سياسات إسرائيل وبخاصة سياسة الاستعمار/ “الاستيطان”. وفي هذا السياق، قال (جيريمي بن عامي) رئيس جماعة “جيه ستريت” الأمريكية اليهودية الليبرالية اليسارية: “ما يفعله رئيس الوزراء الإسرائيلي ببساطة أمر فاضح جدا لدرجة أن له أثرا أطول أجلا على تلك العلاقة الجوهرية.” فيما لمح اليهودي الأمريكي (آرون دافيد ميلر) المفاوض السابق للادارات الديمقراطية والجمهورية في الشرق الاوسط من خطورة خسارة إسرائيل للولايات المتحدة، وقال: “يجب ألا ننسى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى كل صديق من أصدقائها في الشرق الأوسط.” كذلك، تتعالى أصوات في الكونغرس من أن طلب اسرائيل أكثر من 475 مليون دولار من التمويل الامريكي لبرامج الدفاع الصاروخية في السنة المالية لعام 2016 قد يواجه مشاكل اذا لم يخفف الكونغرس القيود أو يعدل عنها فيما يتعلق بميزانية الدفاع الأمريكية، مما يعني أن التعاون بين الحليفين قد تترتب عليه معوقات تلقي بظلالها على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية المتوترة أصلا.

ويتحدث الكاتب الإسرائيلي (بن كسبيت) في مقال حديث عما يراه سببا في مواقف (نتنياهو) المعارضة لسياسة (أوباما)، معيدا الأمر إلى زعماء إسرائيليين نفذوا قراراتهم وصنعوا تاريخاً عندما كانت مواقفهم مخالفة للموقف الامريكي من أمثال (دافيد بن غوريون) الذي أعلن عن إقامة الدولة خلافا لرأي الأمريكيين، و(ليفي اشكول) الذي بادر الى حرب الايام الستة مخالفا رأي الأمريكيين، و(مناحيم بيغن) الذي هاجم ودمر المفاعل النووي العراقي خلافا لرأي الأمريكيين، فيقول: “.. أما نتنياهو؟ هل فعل شيئا؟ هذا الرجل لم يفعل شيئا. الذي يريد فعله هو أن يخطب، يتحدى، يتشدق، لو أنه ذهب لمهاجمة البنية التحتية الإيرانية لكانت الأمثلة جيدة. لأن الحديث سيكون عن أفعال، عمل، مبادرة إسرائيلية هدفها إزالة خطر وجودي. لكن عندما يكون الحديث عن أفعال من هذا النوع فان نتنياهو يختفي ويتلاشى ويذوب ويتحول الى بركة مياه صغيرة”.

بالمقابل، طرح المحلل السياسي الإسرائيلي (شموئيل روزنر) وجهة نظره، حيث كتب يقول: “لا شك في أن ثمة سؤال حاد ومهم فيما يتعلق بعلاقات إسرائيل والولايات المتحدة التي تشهد حالياً مزيداً من التدهور. ما يمكن استنتاجه من هذا أنه تنتظرنا سنتان قاسيتان إلى أن ينهي أوباما ولايته وينفصل عن نتنياهو ربما من دون إلقاء تحية الوداع. لكن محادثي الأميركي سأل: لماذا سنتين فقط؟ من الذي تعهد لإسرائيل وهمس في أذن نتنياهو أنه بعد أوباما سيأتي رئيس أكثر تفهماً ووداً؟، خاصة إن استمر (نتنياهو) على هذا النهج مستقبلا، على عكس سياسة الإدارة الامريكية التي باتت تنتهج الدبلوماسية الناعمة في تحقيق أجنداتها، وهذا قد يرسخ تداعيات دائمة تصدع العلاقات الإسرائيلية الأمريكية أكثر وأكثر في المستقبل القريب”.

ورغم اعتقادنا بأن الآثار السلبية تبقى محدودة وقصيرة المدى، وقد تؤشر فقط إلى زيادة مستوى الحدة في الخلاف بين (أوباما) و(نتنياهو)، أكثر من التوتر في العلاقات بين الدولتين الداخلتان في إطار تحالف استراتيجي، لكن ذلك لا ينفي احتمال استمرار التآكل الحالي في صورة إسرائيل كحليف، في ظل سياسات مارقة لليمين المتطرف الإسرائيلي مع وجود تباين في المصالح والمواقف والرؤى بخصوص أكثر من قضية. وربما مفيد أن نختم بما قاله (روزنر): “من السهل التفكير أن أوباما رئيس شاذ وأن من المؤكد أن نرجع بعده إلى العهد المألوف الجيد للرؤساء الذين سبقوه. ومن المريح الاعتقاد أن الأمور ستكون أسهل لإسرائيل. من السهل الاعتقاد على هذا النحو لأن عكس ذلك أمر مقلق. مع هذا لا بُد من التساؤل: ربما المشكلة ليست كامنة في العلاقة الباردة لأوباما وإنما في أميركا نفسها؟. وهل من الجائز أن أوباما (ومن يخلفه) يميز عهداً جديداً تتسم فيه العلاقات الإسرائيلية – الأميركية بنمط المواجهة؟”.