عن نتنياهو: قبل الانتخابات وبعدها

“لن تكون هناك دولة فلسطينية إذا أعيد انتخابي مرة أخرى”، “اليمين هو الحل”، “حكم اليمين في خطر”، “انتخاب الليكود هو الضمانة”، “(خائف) من إقبال الناخبين العرب على صناديق الاقتراع”.. كانت هذه الجمل التي لجأ إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) ومارسها عبر استخدام “تكتيك الخوف” بكل ما تضمنته من عبارات تحريضية هي الطابع الرئيس لحملته الانتخابية بعد أن بينت استطلاعات الرأي مزاحمة “المعسكر الصهيوني” بزعامة (إسحاق هرتسوغ).

اليوم، بعد أن كلف (نتنياهو) رسميا بتشكيل حكومته الرابعة وسط أجواء من التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة، ها هو “يتراجع”(!!!) عن عديد التصريحات العنترية التحريضية ما قبل الانتخابات، خاصة بعد موقف الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) الذي أعرب عن اعتقاده بأن “حل دولتين” هو أفضل وسيلة للمضي قدماً من أجل الاستقرار في المنطقة، وأنه من الصعب تصور إمكانية قيام دولة فلسطينية بعد تصريحات (نتنياهو)، معرباً عن اعتقاده بأن (نتنياهو) يقصد ما قاله في الحملة الانتخابية. وكل هذا في ظل ما ذكرته صحف أمريكية من أن التعديلات المحتملة على السياسة الأمريكية قد تؤدي إلى تمرير قرار دولي جديد يؤكد على مبدأ “حل الدولتين”، حيث سارعت الادارة الاميركية بالتأكيد أنها لا تستطيع سوى اعادة النظر في دعمها التاريخي لاسرائيل في الامم المتحدة.

أوروبيا، تتعالى الأصوات في “الاتحاد” مطالبة بفرض قيود أكثر صرامة على السياسية الإسرائيلية، وخاصة بسبب سياستها في القدس والاستعمار/ “الاستيطان”. في السياق، فإن تقريرا للاتحاد الأوروبي، نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قبل أيام، يتضمن توصيات بشأن صياغة السياسة الأوروبية تجاه قضية القدس، ويدعو إلى دراسة فرض قيود أكثر صرامة ضد المستعمرين/ “المستوطنين”. ويحمل التقرير إسرائيل مسؤولية تفاقم العنف خلال الأشهر الماضية في القدس الشرقية، معتبرا أن “دوامة العنف” باتت تهدد “حل الدولتين” بشكل متزايد، وذلك على خلفية استمرار البناء “الاستيطاني” بشكل منهجي في المناطق الحساسة بالقدس. وحسب تقديرات إسرائيلية، فإن أبرز النتائج المتوقعة للتحول المرتقب في موقف أوروبا من إسرائيل سيتمثل في تراجع مستويات الاستثمار الخارجي، وتهاوي مستويات التعامل في البورصة الإسرائيلية. وهناك ما يدلل على أن الاتحاد الأوروبي سيحرص على وضع المزيد من العوائق البيروقراطية لتقليص قدرة المصدرين الإسرائيليين على تسويق منتوجاتهم في أوروبا.

صحيح أن (نتنياهو) يتعرض لضغوط عديدة، لكنه وكما كان في حكوماته السابقة جميعها، لا يمانع في الكذب، لا يمكن أن يؤمن جانبه، وبرنامجه السياسي قائم على العنصرية والإقصائية، وهو يواصل الخداع (مع الخصوم ومع الحلفاء سواء كانوا في إسرائيل أو خارجها) وهدفه الرئيس: البقاء في الحكم. والوصف البليغ له ولأدائه جاء من الوزير الأسبق (أوري سبير): “هذه المرة حظينا بنتنياهو من غير قناع، المعارض لحل الدولتين والمعادي لكل الزعماء العرب والمحتضن للمستوطنات من أجل مشروع الدولة ثنائية القومية والخصم السياسي لحليفه الأساسي اوباما. وكذلك المتخاصم مع دول الاتحاد الاوروبي التي اتهمها بالتدخل لاسقاطه، والعنصري تجاه العرب، الزعيم الذي لديه قيم غير ديمقراطية سواء بالنسبة للمحكمة العليا أو بالنسبة للصحافة الحرة، والرأسمالي الكبير، حسب اقوال كحلون، بدون رأفة اجتماعية، والمبذر على حساب اموال الجمهور”. وفي مقال ساخر بعنوان “برافو بيبي، برافو”، قال (يوئيل ماركوس): “نتيجة الانتخابات ستكون ضررا حقيقيا على علاقات الولايات المتحدة – اسرائيل. على نتنياهو أن يعين وزير خارجية مستوٍ بعقله وطبيعي (اذا كان ممكنا) وسفيرا معتدلا لديه قدرة وصول الى البيت الابيض. والاهم من ذلك، ان يحرص على الا يكون رئيس الوزراء كذابا. ولا سيما الا يكذب على الرئيس الامريكي”. في السياق، وفي مقال حمل عنوان “أوباما ضد نتنياهو: لنوقف الانهيار” كتب البروفيسور (ايتان غلبوع) رئيس مركز الاعلام الدولي والباحث الكبير في مركز بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية يقول: “توشك فرنسا على ان ترفع إلى مجلس الأمن مشروع قرار يطالب إسرائيل بانسحاب إلى خطوط 67 في غضون سنتين واعتراف بدولة فلسطينية. وحده الفيتو الأميركي يمكنه أن يمنع اتخاذ قرار كهذا، ولكن أوباما يلمح بانه لن يستخدمه. مثل هذه الخطوة ستحطم القواعد في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية بل وستلمح للاتحاد الأوروبي بتطبيق خطته لممارسة الضغوط التجارية والاقتصادية على إسرائيل”. ويضيف: “ابتداء من الأول من نيسان سيكون من حق الفلسطينيين أن يرفعوا الشكاوى على جرائم الحرب الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. هنا ايضا موقف الولايات المتحدة حرج في منع أو تقليص الاضرار. وتحتاج إسرائيل إلى تأييد الأميركيين في حالة التصعيد العسكري ايضا، سواء في الضفة الغربية أم في غزة”.

الحكومة الجديدة في إسرائيل لم تشكل بعد، لكن المتوقع أن تصطدم هذه الحكومة بالمجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة، في ظل الأيديولوجيا اليمينية المتشددة بين أعضاء الائتلاف المنتظر، ونظرتهم العدمية/ العبثية إلى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.