اجتماع القيادة الفلسطينية الأخير: وقائع وآفاق

في الاجتماع الأخير للقيادة الفلسطينية الأعلى (اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية) في رام الله قبل أيام، تمت – ضمن مواضيع عديدة – مناقشة الانتخابات الإسرائيلية ونتائجها. وقد كان تقدير القيادة الفلسطينية السابق صحيحا، سواء فاز حزب “الليكود” اليميني أو “المعسكر الصهيوني”، حيث أن كل المؤشرات كانت تؤكد أن فرصة تشكيل الحكومة ستكون من نصيب رئيس الوزراء الحالي (بنيامين نتنياهو)! وحتى لو جاءت التوقعات عكس ذلك، وطلب من (يتسحاق هرتسوغ) تشكيل الحكومة، فإنه من واقع التحالفات وطبيعتها في إسرائيل التي عادة ما تقيد الحكومات وخاصة الإئتلافية، لن تستطيع “حكومته” عندئذ المضي في التسوية السلمية وفق المبادئ وبرنامج الحد الأدنى الفلسطينيين. وعليه، جاء اجتماع “المجلس المركزي” الذي دعت إليه “اللجنة التنفيذية” قبل الانتخابات الإسرائيلية بعيدا عن الأوهام، وجاهزا للتعاطي المستقبلي، خاصة في ظل عديد الضغوط الغربية والعربية التي نصحت “القيادة” بعدم اتخاذ خطوات قبل الانتخابات الإسرائيلية.

لقد جاءت نتائج الانتخابات لتؤكد اقتناع القيادة الفلسطينية أن أي قرار بالعودة إلى المفاوضات المباشرة يعني، بدون تلاعب لغوي، منح مشروعية للاستعمار/ “الاستيطان” الصهيوني! وأن الذهاب الى المفاوضات المباشرة دون وقف “الاستيطان” وتحديد مرجعية ملزمة لها سيؤدي الى فشل أكبر وأخطر مما يجري اليوم. لذا، تجهزت القيادة الفلسطينية لإعادة القضية الفلسطينية إلى الحلبة الدولية لتنفيذ قرارات الشرعية، من خلال مسارين الأول: خارجي، عبر الكفاح السياسي والدبلوماسي والإعلامي مع دول العالم وبرلماناته، خاصة وأنه في الأول من نيسان/ إبريل القادم نتوقع صدور قرار يعلن عن تمكين السلطة الوطنية الفلسطينية بحق رفع الدعاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية. والمسار الثاني: داخلي، عبر الكفاح الجماهيري بدعم قوى حركة التضامن الدولية مع الشعب الفلسطيني والحركة المدنية الفلسطينية (BDS) أي (حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات)، بحيث يتشكل رافد للخط الكفاحي الأساسي الموازي للمسارين آنفي الذكر: المقاومة الشعبية السلمية الحضارية.

في السياق، تم التأكيد في اجتماع “التنفيذية” على أن قرارات “المجلس المركزي” هي قرارات ملزمة وعلى رأسها وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي وفق “خارطة طريق” يتم تحديدها قريبا جدا، من قبل لجنة مختصة، وذلك مع نجاح إسرائيل في استغلال التنسيق الأمني لصالحها، وتزايد عدد المؤمنين بأن بقاء “السلطة” يتحول تدريجيا إلى قوة تسهم في حماية أمن إسرائيل(!!!) فضلا عن شرعنة الاحتلال الإسرائيلي(!!!). وفي سياق بحث الخط الكفاحي الجماهيري، تم التشديد على مسألة مقاطعة بضائع المستعمرات/ “المستوطنات” بتفعيل لجنة تنسيق من “التنفيذية” وحركة فتح، خاصة وأن حركة المقاطعة في الضفة الغربية تتنامى بشكل متسارع مؤخراً كحصيلة لنشاطات جمعيات ومنظمات أهلية فلسطينية وعربية ودولية.

لقد قدم رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمدالله تقريرا وافيا عما قدمته وما زالت حكومته (حكومة الوفاق الوطني) للأهل في قطاع غزة، على أن يكون ذلك التقرير مدار بحث ونقاش من قبل الاجتماع القادم للجنة التنفيذية، خاصة مع استمرار الحصار الإسرائيلي على “القطاع”. وفي هذا النطاق، تم التطرق إلى موضوع الحرص على الأهل في “القطاع” والحفاظ على مصالحهم في ظل بعد مركز “حكومة الوفاق” الفلسطينية بحيث يترأس الحمدالله وفدا من الوزراء لزيارة القطاع، وهو ما تم بالسرعة المنشودة، وعقد اجتماع للطاقم الوزاري في مدينة غزة لتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها فلسطينيا، مع الحرص على مسألة الوحدة الوطنية وإنهاء الإنقسام الفلسطيني – الفلسطيني، قطعا للطريق على المشروع الإسرائيلي الهادف إقامة دولة فلسطينية بنظامين، واحدة في الضفة والأخرى في غزة. هذا، إضافة إلى ضرورة مسارعة وفد “اللجنة التنفيذية” بالذهاب إلى قطاع غزة والتفاعل مع قيادة حماس (وغيرها) ومع الأهل في المحافظات الجنوبية. كذلك، جرى حديث، قديم جديد، حول عقد اجتماع إطار جديد لمنظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة حماس والجهاد الإسلامي، رغم استمرار المشكلة المتمثلة في إيجاد المكان المناسب لعقد الاجتماع، فضلا عن التعقيدات السياسية المحلية والإقليمية المعروفة، وهو أمر للأسف نجاحه مرهون بإيجاد المكان والخروج من هذه التعقيدات.

أخيرا، تم بحث تفاصيل حال المقاومة الشعبية الحضارية السلمية التي تجري في عديد المناطق الفلسطينية بشكل مستمر، مع ضرورة تفعيلها للوصول إلى عصيان مدني، حيث أنه مع تشكيل (نتنياهو) حكومته الرابعة – ربما الأكثر يمينية من سابقاتها – من المتوقع استمراره في سياسة العقوبات السابقة ضد السلطة الوطنية، الهادفة إلى تفكيكها عبر العقوبات: سياسية كانت، أم أمنية، أم مالية واقتصادية. لذا، ركز الاجتماع على مسألة تعزيز المقاومة الشعبية الحضارية التي أحدثت نقلة نوعية بينت للعالم حقيقة وقدسية وشرعية المقاومة الفلسطينية الحديثة كنموذج جماهيري يفضح أكثر بنية الفصل والتمييز العنصري (الأبارتايد) الإسرائيلي.