حلول جذرية في مواجهة الإرهاب الإسلاموي (4-4)
في أقل من خمس سنوات، سقط من أبناء العالم العربي – بقوة الإرهاب أساسا – نحو نصف مليون قتيل، وتشرد عدد من الملايين الذين باتوا في حكم المهجرين، وابتلع – وما يزال – البحر مئات العائلات في محاولات هروبهم من العالم العربي إلى شط الأمان الأوروبي. كيف الخروج من هذا الواقع المرير؟! لا بد أولا من الفصل بين العمل الثقافي لمحاربة الإرهاب، وهو أمر يمتد لفترات طويلة، وبين المواجهة العسكرية التي يرى كثيرون أهميتها وأنها أمر لا مناص منه.
إن الخطاب السياسي والديني، الموجه ضد الإرهاب، ينبغي أن يكون أكثر وضوحاً كي لا يتغلغل الفكر المتطرف أكثر من ذلك في المنطقة. ولقد أطلق أمين عام الأمم المتحدة (بان كي مون) تصريحاً مفاده أن “الإرهاب لن ينتهي بالضربات الجوية ولكن ينتهي عندما نقتل رأس الإرهاب”. وبغض النظر عما قصده بعبارة “رأس الإرهاب”، فإن المطلوب، عربيا وإسلاميا، هو تجفيف منابع الإرهاب الذي يبدأ من داخل خلايا الرأس. فالحرب على الإرهاب يجب أن تكون، خاصة ببعديها الديني والفكري، من مسؤولية العرب والمسلمين أولا. فالارهاب لم ولن يتوقف الا بجهود مجتمعة تنشئ جيلا (ضمنه رجال دين محترفون) بحيث يتم تأهيلهم للتصدي لأي فكر متشدد يحاول التغلغل في المجتمعات. فاستئصال الإرهابيين لا يكون إلا من خلال التأثير على العقول، فالغلو أبرز سماتهم، والأمة العربية، ومنذ عهد الاستقلال، فشلت في تحصين المجتمعات من تلوث العقول.
دوما يحتاج الناس إلى إعطاء معنى جديد للحياة. صحيح أن هناك صعوبات أمام تجديد الخطاب الديني، خاصة في ظل مواقف رسمية (لدى البعض النادر) متخوفة من أي طرح جديد، فضلا عن ضعف راهن في مكانة المؤسسات الدينية التي لا تملك إلا هامش حركة محدود. واليوم، بات الأمر يحتاج لعملية جراحية طارئة تبدأ بتفعيل دور المؤسسات الدينية المعنية بالعبادات والفتوى، التي فقدت كثيراً من مقوماتها، وباتت مؤسسات جامدة، عبر الدعوة إلى مبادرات ترسخ معنى الوسطية باعتباره نقيضا للتطرف الديني، تركز على تصحيح المفاهيم، خاصة في ظل تحوير الكثير منها وإخراجها من سياقها وعلى رأسها مسألتي “الجهاد” و”التكفير”.
ومن الأمور التي اتفق عليها عديد المشاركين في ورشة العمل الخاصة حول معالجة ظاهرة الإرهاب التي أقامتها صحيفة “الاتحاد” الإماراتية في تشرين أول/ أكتوبر الماضي، وكذلك المؤتمر الجامع الذي عقده مركز “الملك عبدالله بن عبد العزيز الدولي” في العاصمة النمساوية في 18 و19 تشرين ثاني/ نوفمبر المنصرم، مسألة الإصلاح الديني الشامل، أي تجديد الخطاب الديني، وتجديد مناهج التعليم الديني، وتصويب المفاهيم الكبرى التي تؤكد ثوابت الدين وتمنع استغلالها من جانب المتطرفين بطرق منحرفة. وعليه، بات من الملح النظر في إعادة بناء المؤسسات الدينية بما يؤدي إلى قيامها بواجبها في التعليم والفتوى والإرشاد بالمنهج الإسلامي الوسطي الصحيح. هذا الأمر يستتبعه إصلاح النظام التعليمي وتطوير منظومة التعليم بوحدة متكاملة واستبدال أسلوب التعليم التلقيني بأسلوب التعليم الابتكاري والإبداعي، والتركيز في المناهج التعليمية على النهضة العلمية المعاصرة.
كذلك، يأتي دور السلاح الأخطر في العالم اليوم، سلاح الإعلام. ففي ظل ظاهرة إرهابية تملك مقومات إعلامية مذهلة تبرز أيديولوجيتهم وأفكارهم التي يبررون بها أعمالهم الإجرامية، يصبح للإعلام البديل دور كبير في تدعيم مفاهيم المواطنة والوحدة والتماسك الاجتماعي، مع النأي عن بث ونشر أشكال الخطاب المتطرف الطائفي والإثني في التغطيات الإخبارية والتحليلات، وهو الأمر المنتشر في عديد الفضائيات العربية. فما المانع من تدشين إعلام مضاد لإعلام الارهاب؟ بل ما المانع من تدشين حوار مع الشباب والنزول إلى مستواهم “العمري”؟ فالمعركة ضد الإرهاب هي فكرية بالأساس. إذن، لا مناص من خطة فكرية شاملة تتخذ شكل حملة توعية هادفة الى عزل الارهاب عن الجماهير وجعل النضال ضده صراعا بين الشعب وبين الجماعات الارهابية، تشارك فيه مختلف القنوات الإعلامية، من فضائيات وتلفزيونات محلية وإذاعات وصحف وندوات واجتماعات جماهيرية، بل وفي المدارس كلها.
يشكل الإرهاب اليوم المشكلة رقم (1) في العالمين العربي والإسلامي، وبالتالي فإن الأولوية عندهم يجب أن تعطى إلى حل هذه المشكلة كمفتاح لحل سائر المشاكل المستعصية الأخرى. ولأن مصدر الإلهام الروحي للإرهاب “الإسلاموي” لطالما نبع من الأفكار المتخلفة، سواء أكانت دينية أو قومية، لذا، فلا حل اليوم للقضاء عليه إلا عبر خطاب إسلامي حداثي معتدل، مع إعادة طرح لموضوع التراث لتخليصه من كل ما علق به من أكاذيب وأباطيل وخزعبلات واهية. وحقا، لا بد من مواجهة ظاهرة الإرهاب على مستوى الجذور قبل الفروع منعا لتفاقمها.