الإرهاب: تداخلات محلية وإقليمية ودولية (3-4)
إن بحث ودراسة العوامل الخارجية المسببة للإرهاب لا تقل أهمية عن العوامل الداخلية. والمتغيرات الدولية ترتبط أساسا ببعدي السياسات والقوى الخارجية التي تمارس بشكل مباشر أو غير مباشر ضغوطا غير مناسبة على دولة ما لإرغامها على اتباع سياسة في صالحها، ما يولد حالة من الرفض والعدائية لدى طبقات واسعة من المجتمع يمكن أن تستغل في تأجيج الصراعات الداخلية والخارجية، الأمر الذي أضاف بعدا جديدا في تنامي الإرهاب عالميا. وكان الإرهاب قد اكتسب أبعاده وخصوصياته مع نشأة النظام العالمي الجديد، وخاصة منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001. غير أن المسألة، زمنيا، هي أبعد من ذلك، إذ تعود إلى ذات الوقت الذي كانت فيه بعض الأنظمة العربية والإسلامية حاضنة للجماعات الأصولية خاصة في مرحلة أفغانستان ومحاربة الاتحاد السوفييتي/ “الشيوعي الكافر” أو ما درج على تسميته “الأخطبوط الأحمر”.
ورغم تنوع وتعدد الجماعات الأصولية إلا أن أسباب نشوئها واحدة. وهذه تتلخص في تحولات اقتصادية/ اجتماعية/ سياسية في العالم العربي، وأخرى إقليمية تتعلق تحديدا بالصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي خاصة جهة معاهدة السلام مع مصر، التي أدت كلها مجتمعة إلى ظهور وتعزز هذه الجماعات التي سرعان ما بدأت أنظمة عربية بقمعها بالقوة. لكن، من داخل نطاق الحرب الباردة وشدة العداء للنظم الشيوعية، ساهمت بعض الأنظمة العربية في ترويج “فكر الجهاد” ضد الشيوعيين وسهلت “للشباب المؤمن” الوصول إلى أفغانستان لمقاتلتهم. ومن المنطقي القول أن علاقة تحالف ما أو تعاون وتنسيق قامت بين قادة “الشباب المؤمن” والمخابرات الامريكية، عبر هذه الأنظمة، ابان فترة القتال ضد السوفيات في افغانستان، باعتبار أن العدو واحد. لذلك، لم يكن غريبا قول الراحل (صلاح خلف) في عام 1987 أن “الأنظمة دفعت لمحاربة السوفييت في عام أكثر مما دفعته لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها”.
في الأثناء، يجب التأكيد على أن عدم وجود حل عادل للقضية الفلسطينية والكيل بمكيالين، ودائما لصالح إسرائيل، ساهم في تنمية العنف والإرهاب في المنطقة ثم في العالم، وهو ما أشار إليه عديد المشاركين في الندوة الخاصة حول الإرهاب التي أقامتها صحيفة “الاتحاد” الإماراتية في تشرين أول/ أكتوبر الماضي، وكذلك مركز “الملك عبدالله بن عبد العزيز الدولي” في العاصمة النمساوية في 18 و19 تشرين ثاني/ نوفمبر، حيث اتفقوا في المجمل على أن من المفاتيح الأساسية لمحاربة تنامي الإرهاب هو إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. فليس من المنطق الاهتمام الغربي الكبير هذا بقضية الإرهاب فحسب، وإغفال القضايا الجوهرية، وعلى رأسها وأهمها الصراع/ الفلسطيني الإسرائيلي والتعنت الإسرائيلي الذي يعزز الإرهاب في الاقليم وعلى امتداد العالم. وفي السياق، يتحدث الكثير من الزعماء عن أن حل القضية الفلسطينية، العالقة منذ ما يقارب سبعة عقود، من شأنه أن يساهم في نزع أحد أهم الحجج/ الذرائع من أيدي المتطرفين ويسهم في التخلص من العنف والتطرف والإرهاب الذي تعيشه المنطقة.
في السابع من تشرين أول/ أوكتوبر 2001، وبعد أيام قليلة من تفجيرات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، واتهام تنظيم القاعدة بالمسؤولية، بدأ الغزو الأمريكي لأفغانستان، بدعم من الحلف الأطلسي، حيث تم تجييش الغرب تجاه ما أطلق عليها في ذلك الوقت “بؤر الإرهاب الإسلامي”، تبعها احتلال العراق. حينها، وحتى الآن، وافقت الدول العربية على المخاطر المتمثلة في “عولمة الخطر الإرهابي”، خاصة مع تزايد ظهور جماعات متطرفة تحمل أفكاراً إسلامية ترفض النموذج الغربي وقيمه العلمانية. فلم يعد هناك طريق ثالث وفق المنظور الأمريكي: “إما أن تكون معنا أو ضدنا” على حد تعبير الرئيس (جورج بوش الابن)، أي إما مع الولايات المتحدة أو مع الإرهاب. وبهذا، ساهمت سياسة الإدارة الأمريكية المنفعلة في تنامي قوة الحركات الإسلامية الراديكالية ليس في تلك الاماكن التي احتلتها فحسب، وإنما في عديد من دول العالم، حتى بات الإرهاب يهدد مصالح ومواقع في العالم أجمع.
الحال الذي آلت إليه الأوضاع في ظل النظام العالمي الجديد والأحادية القطبية الأمريكية، أسهمت في انتشار الإرهاب، رافقها مواقف مجلس الأمن وعجزه عن اتخاذ موقف قانوني أو أخلاقي جاد فيما يحدث من انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة جرائم إسرائيل المتكررة في فلسطين، وما ترتب على سياسات الولايات المتحدة في عديد الدول التي احتلتها أو تدخلت فيها، وبالذات في العراق الذي خلقت فيه نزاعا طائفيا يصعب إصلاحه. وفي الوقت نفسه، تزايدت بؤر التوتر في معظم دول العالم، خاصة في الشرق الأوسط وأوروبا، في ظل الآثار القمعية التي ترتبت على ما درج تسميته “الربيع العربي”. وللحديث صلة في الحلقة الرابعة والأخيرة من هذه الدراسة.