الإرهاب: الأسباب والتداعيات (2-4)

       خطر الإرهاب، لا يمكن أن يزول بين ليلة وضحاها. بل هو يزداد شراسة وعنفا، فيما يكمن خطره الحقيقي في انتشار فكر التطرف، واتساع دائرته، وتزايد أتباعه، وتحوله إلى جزء من ثقافة المجتمات. من هنا، باتت ظاهرة الإرهاب تستأثر باهتمام متزايد من دول العالم كافة، نتيجة للآثار السلبية التي ترتبها في حياة مجتمعاتها، وذلك لارتباط شيوع ظاهرة الإرهاب بتطور الأحداث الجارية في الساحة السياسية، حتى أضحى مفهوم الإرهاب صفة لصيقة لكل حدث، سواء كان جماعيا مخططا، أم فرديا عفويا.

       ولأن الإرهاب بات ظاهرة عالمية تزداد توسعا وانتشارا، ولأن أسبابه متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية، فإن إدراك وفهم أسبابه هي نقطة الانطلاق المركزية للقضاء عليه. ومع اختلاف وجهات النظر في تحليل الظاهرة، هناك شبه اجماع على كون العامل الاقتصادي يلعب دورا مهما في توجيه سلوك الإرهاب عند الأفراد/ المجتمعات: فالفقر والجهل والبطالة الناجمة بالأساس عن السياسات الاقتصادية وسعتا الفجوة بين الفقراء والاغنياء، وبين ذوي المصالح الاقتصادية الواسعة وبين الفئات الاقتصادية المهمشة، الأمر الذي ولد شعورا بالعجز واليأس والاحباط. وفي إطار العامل الاقتصادي، الذي يراه عديد المحللين، السبب الرئيس في ظاهرة الارهاب، تأتي كذلك مسائل عديدة مثل: سوء توزيع الثروة، الفساد الاداري الحكومي. وهذه العوامل، مع غيرها، في ظل أنظمة قمعية، تعزز تولد سلوك عنيف عند المحرومين، سرعان ما يتفجر ويتحول إلى عنف.. أولى الخطوات نحو الإرهاب.

       كذلك، فإن الأنظمة القمعية التي عادة ما ترضخ في سياستها لسياسات دول خارجية، تستولد عداء وصراعا لدى طبقات واسعة يمكن أن تستغل في تأجيج النزاعات الداخلية. في السياق، يأتي النظام الاقتصادي الدولي الجائر الذي يقود إلى خلق حالة من الغضب والعداء المستمر بين مختلف شعوب العالم، في ظل الاستغلال الاجنبي للموارد الطبيعية الوطنية والذي يمكن أن ينتج بفعل ظاهرة التبعية، فضلا عن السياسات المتبعة من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين عبر برامجهما المتمثلة بالإصلاح الاقتصادي القاسي (وربما المتعسف) المشروط باتباع سياسات معينة من قبل البلدان المطبقة لتلك البرامج.

       نتفق جميعا على أن الإرهاب والعنف يقودان إلى الخوف والفزع والقلق والخلل في الحياة عامة، وبذلك تظهر آثاره/ تداعياته الاجتماعية والاقتصادية. وإن كانت الآثار/ الأبعاد الاقتصادية واضحة، حيث يعتبر الإرهاب مصدرا خطيرا على اقتصادات الكثير من بلدان العالم لما تسببه الهجمات الإرهابية من تدمير للاقتصاد والدخل الوطني ما يضر باقتصاد الوطن كله، تصبح الآثار والأبعاد الاجتماعية أشمل حيث يضرب الإرهاب مقومات المجتمع ككل. ومن النتائج الكارثية للإرهاب، تأثيره على الأقليات. فمرة أخرى، نهاية العام الماضي، حصل نزوح جماعي مع سقوط مدينة الموصل العراقية التي كان يعيش فيها آلاف المسيحيين، فيما يقول الخبير في الشؤون السورية (فابريس بالانش) ان “700 الى 800 الف مسيحي فروا من مصر وسوريا والعراق منذ العام 2011”.

         في سياق التداعيات، لا بد من الإشارة إلى السياسة الغربية التي ساهمت في تصاعد وتيرة الإرهاب، فالتقرير الذي نشرته منظمة “مبادرة عدالة المجتمع المفتوح” يؤكد أن أكثر من 54 دولة شاركت في نشاطات تعذيب لسجناء اعتقلوا بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، فيما كانت إيطاليا هي البلد الوحيد الذي صدرت فيه أحكام قضائية على مسؤولين لتورطهم في هذه العمليات. وبذلك، فإن العالم الغربي (بشكل عام) مارس (أو سكت عن) التعذيب في محاربته للإرهاب، فأسهم ذلك بجعل الإرهاب عابرا للحدود.

معروف أن التطرف ليس حكراً على دين. فكل الأديان وكل المذاهب والثقافات أنتجت إرهابها، وإن بصور مختلفة، سواء عبر القتل أو التهجير أو الإقصاء، وهذا يعني أن الإرهاب ليس ظاهرة عربية أو مسلمة خالصة، بل إن عددا متزايدا من المراقبين يتحدثون عن مسؤولية مباشرة لدول بعينها في تخليق واستغلال حركات “إسلامية” لأغراضها ولمصالحها. وقد أعلن (اولدرجيخ مارتينو) نائب “مدير منظمة الشرطة الأوروبية – يوروبول” أن “عدد الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب التنظيمات الإرهابية المسلحة في سورية يبلغ نحو 30 ألفا تقديريا”، لافتا إلى أن منظمة “يوروبول” لا تعرف العدد الدقيق للأوروبيين الذين يقاتلون في صفوف تنظيم داعش الإرهابي في سورية والعراق. وكان (روب وينرايت) مدير “يوروبول” أكد أمام لجنة الشؤون الداخلية في مجلس العموم البريطاني أن “وسائل الإعلام الاجتماعية تعتبر أداة تجنيد ودعاية وأن شبكة الانترنت تستخدم بطريقة أكثر عدوانية وأكثر تخيلا من قبل”.

       ومع أنه يتحتم على المجتمع الدولي بأكمله محاربة الإرهاب فإن ثمة مسؤولية خاصة على الدول العربية والإسلامية، لأن معظم التنظيمات الإرهابية ترتكب جرائمها باسم الإسلام، فضلا عن أنه ما من دولة اليوم قادرة بمفردها على مواجهة هذا الخطر.