أزمة بين الجالية اليهودية الأمريكية… وإسرائيل؟

يبدو أن “القيم المشتركة” التي اعتمدت عليها إسرائيل لكسب التعاطف الشعبي الأمريكي تتضاءل اليوم في خضم توتر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. وقد كشفت صحيفة “جيروسلم بوست” منذ فترة النقاب عن خطة “استراتيجية” يشرف عليها (نفتالي بنيت) وزير الاقتصاد والقدس والشتات اليهودي في حكومة (بنيامين نتنياهو) وذلك بالتنسيق مع قادة الجاليات اليهودية في أرجاء العالم لتحسين صورة الدولة الصهيونية. هذا، وسيستغرق تنفيذ الخطة العقدين القادمين، وتقوم على مشاريع ومبادرات تستهدف تعزيز مضامين الهوية اليهودية لدى يهود “الخارج”، بعد حالة الفزع التي أصابت دوائر صنع القرار الإسرائيلي مع تنامي مظاهر تراخي العلاقة بينها وبين الجاليات اليهودية في أرجاء العالم، خاصة إثر الدراسات والاستطلاعات التي أجريت، بطلب من الحكومة الإسرائيلية والمنظمات اليهودية الأمريكية، والتي أظهرت أن أعداداً كبيرة من اليهود الأمريكيين يتخلون عن الديانة اليهودية، في حين بلغت نسبة الزواج المختلط لديهم أكثر من 70%.

وبحسب مقال للكاتبة الإسرائيلية (ميخال زيلبربرغ) نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” بعنوان “إننا نخسر يهود الولايات المتحدة”: “إضافة للتهديدات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تتهدد دولة إسرائيل والتي تستأثر بالجزء الأساسي من النقاش الإسرائيلي، هناك خطر استراتيجي آخر لا يقل أهمية عن ذلك، وهو الأزمة مع يهود الولايات المتحدة”. وتضيف: “إن الجالية اليهودية الأكبر في العالم آخذة في الانفصال عن إسرائيل بسبب سيطرة التطرف على الخطاب اليهودي وبسبب فقدان إسرائيل الهوية الديمقراطية”. وختمت: “وجدت الجالية اليهودية في الولايات المتحدة نفسها بين المطرقة والسندان، أي بين الدفاع عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وبين فقدان الهوية الديمقراطية لدولة إسرائيل. وفي نظرهم، نحن دولة نفتقر إلى إحدى القيم الأساسية في العالم اليهودي أي حرية الاختيار”.

من جانبه، كتب البروفيسور (بيرتس لفي) مقالا تناول فيه حالة التراجع الخطيرة في موقف ومكانة إسرائيل في الحرم الجامعي في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، حيث كتب يقول: “في حرم الجامعات وضع إسرائيل صعب، ان لم نقل على شفا السقوط. وحسب تقرير عصبة منع التشهير الذي نشر مؤخرا، جرت منذ بداية السنة الدراسية الاكاديمية نحو 90 مناسبة مناهضة لاسرائيل في حرم الجامعات في أرجاء الولايات المتحدة – الضعف مقارنة بالفترة الموازية من العام الماضي”. ويضيف: “يدور الحديث عن مظاهرات، حواجز وأسوار وهمية. وليس أقل من 15 مجلسا طلابيا طرحت على البحث والتصويت اقتراحات لسحب الاستثمارات والمقاطعة الأكاديمية على إسرائيل. ورغم أن هذه لم تقر جميعها، فمجرد طرح الموضوع على البحث والتصويت بمثل هذا الحجم هو ظاهرة غير مسبوقة”. ويختم: “ما بدأ قبل بضع سنوات كمبادرات محلية في جامعات قليلة أصبح حملة معادية، منظمة وممولة جيدا، بأهداف واضحة: العزل والمقاطعة لاسرائيل بشكل عام وللمؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية بشكل خاص”.

          في تفسير ما سبق، أوضح الكاتب الأمريكي (جيفري غولدبيرغ)، في مقال بعنوان “حتى أفضل أصدقاء إسرائيل يدركون أنها منفصلة عن الواقع”، يقول: “الشعور بعدم الراحة الذي يشعر به بعض اليهود الأميركيين حيال وجهة إسرائيل آخذ في التحرك نحو الاتجاه السائد. فخلال الشهور القليلة الماضية، تحدثت مع عدد من الأشخاص في العديد من المنظمات اليهودية الأضخم (تنظيمات تفضل كثيراً جداً أن لا تكون تابعة للتنظيمات ذات الجناح اليساري مثل جيه ستريت). وكان السؤال الذي أثاروه هو هذا: ما الذي يفعله بيبي (نتنياهو) بالضبط؟ إذا أجبر اليهود الأميركيون على الاختيار بين قيمهم الليبرالية (ومعظم اليهود الأميركيين هم ليبراليون) وبين دعم دولة يهودية، والتي يبدو أنها تصبح غير ليبرالية باطراد، فإن هؤلاء القادة يقولون إن إسرائيل -وليس الحزب الديمقراطي- هي التي ستكون الطرف الذي يعاني”. ولعل الأمر الأهم، قد تجلى في نقل (غولدبيرغ) في مقاله ما أسر به (غاري روزنبلات) محرر “ذا نيويورك جويش ويكلي”، الصحيفة الأميركية اليهودية البارزة، حيث قال (روزنبلات): “بما أنني ما أزال أعمل وأعيش في عالم الصحافة اليهودية لأكثر من أربعة عقود، أستطيع أن أقول لك أنه كان ثمة زمن كانت جهنم تثور في الجالية في وجه مقالات افتتاحية تظهر في صحيفة يهودية أميركية وتنتقد السياسة الإسرائيلية. لم تعد تلك هي الحالة الآن. وباستطاعة المتفائل القول إن ذلك يحدث لأن جاليتنا أصبحت أكثر انفتاحاً وتنويرا؛ لكن المتشائم يستطيع القول إنه يحدث لأن الناس لم يعودوا يهتمون بنفس القدر و/أو أنهم لا يرتبطون مع إسرائيل من حشاشة قلوبهم بنفس الطريقة التي درج آباؤهم أو أجدادهم عليها. كما قد يكون السبب هو أنهم يهتمون حقاً بإسرائيل، ولكنهم لا يتفقون مع السياسة الجارية الآن”.