هل – حقا – أن إسرائيل أكثر أمنا لليهود؟

زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) خلال مراسم تشييع اليهود الأربعة الذين قتلوا في باريس، “أن اليهود يعلمون من عمق قلبهم أنه يوجد لهم دولة واحدة وأرض واحدة وهي إسرائيل، مولدهم وتاريخهم، التي تحتضنهم دائماً في أيدي مفتوحة كأبناء محبوبين”. وأضاف: “اليوم أدرك أكثر من أي وقت أن إسرائيل هي البيت الحقيقي لنا كلنا”. في سياق مختلف، شدد رئيس الدولة الصهيونية (رؤوفين ريفلين) في رسالة إلى زعماء أوروبا خلال المراسم على أن “قدوم اليهود إلى إسرائيل يجب أن لا يكون نتيجة خوف وخضوع للإرهاب، إنما من اختيار حر، خال من الذعر”. أما (يوسى بيلين) عضو الكنيست والوزير الأسبق، فقد تساءل في مقال بعنوان “يجب تقديم تسهيلات للمهاجرين.. وليس إقناعهم بالرحيل”: “هل من الصائب الآن دعوة يهود فرنسا إلى الهجرة لإسرائيل؟ وهل هذه الدعوة “إنقاذ من القتل” كما قال رئيس إدارة الوكالة اليهودية ناتان شارنسكي؟ وهل من الممكن أن يتحول الحدث الإرهابي البشع إلى فرصة”؟.

تصريحات مستفزة أطلقها قادة إسرائيليون كعادتهم في محاولة استغلال أي حدث خارجي في مصلحة الدولة الصهيونية، في محاولة لتصوير أن اليهود في العالم لا يزالون هم المضطهدين في الأرض. وفي رد فعل على ذلك، ثار غضب رئيس الوزراء الفرنسي (مانويل فالس) تحديدا ضد الدعوة التي أطلقها (نتنياهو) ليهود فرنسا، وأعلن أن “فرنسا هي وطن اليهود وأنها من دون اليهود الفرنسيين لن تكون فرنسا”. بل إن (حاييم كورسيا) كبير الحاخامين في فرنسا قال في عظة ألقاها في المعبد اليهودي الكبير في باريس: “فرنسا هي لغتنا وأحلامنا وأملنا في المستقبل”.

يهود فرنسا هم أكبر جالية يهودية في أوروبا (550 ألفا). وفي العام 2014، أصبحت فرنسا أكبر دول العالم في “تصدير” الهجرة إلى إسرائيل حيث هاجر إليها 7000 يهودي أي أكثر من مثلي عدد المهاجرين من فرنسا في 2013. وقدرت “الوكالة اليهودية” أن العدد الإجمالي في 2015 سيبلغ عشرة الاف لكن المسؤولين يقولون الآن إن العدد قد يصل إلى 15 ألفا نتيجة للهجمات. لكن الوجه الآخر من العملة، أنه، أيضا، وبحسب “الوكالة اليهودية”، فإن ما نسبته “20% من المهاجرين الفرنسيين يعودون في غضون خمس سنوات. بل، ويختار بعض رجال الأعمال من ميسوري الحال نقل عائلاتهم إلى إسرائيل وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بوظائفهم في فرنسا والسفر لزيارة العائلات في العطلات الأسبوعية”. من جانبها، أجابت صحيفة “هآرتس” عن أسئلة كثيرة عبر رسم كاريكاتيري اختصر الموقف، حيث ظهر في الرسم مجموعة من يهود فرنسا وقد استجابت لدعوات قادة إسرائيل وهاجرت من بلدها ليستقبلها على بوابة كبيرة تشبه بوابة المعتقلات أو المعسكرات (نفتالي بينت) الذي يحمل بندقية رشاشة و(نتنياهو) الذي يشبه مدير أحد السجون أثناء استيعاب دفعة جديدة من المعتقلين. وأطلت من بوابة السجن الذي يمثل إسرائيل فوهتين لمدفعين فيما أحاطها جدار مرتفع اعتلاه جنود مسلحين وصواريخ ونقاط رقابة. وكأن “هآرتس” تريد أن تقول ليهود أوروبا، وليس يهود فرنسا فحسب، أهلا وسهلا بكم داخل السجن الإسرائيلي المحاط بجدران الاسمنت المرتفعة وجدار الخوف الدائم. في السياق، اعتبر المسؤول الاول عن يهود المانيا (جوزف شوستر) ان “اليهود الاوروبيين لن يكونوا أكثر أمنا في اسرائيل منهم في اوروبا في حال هجرتهم”. وأضاف: “ان الناس في اسرائيل مهددون بهجمات “ارهابية”. انا لا اعتبر ان العيش في اسرائيل اكثر أمنا منه في اوروبا خصوصا في المانيا”.

إسرائيل اليوم دولة يسيطر عليها زعامات متطرفة دينياً، ومتعصبة، وقصيرة النظر بالنسبة للمستقبل، حتى بات كثير من الإسرائيليين وبصورة متزايدة يفكرون بالهروب منها. وهذا ما تؤكده استطلاعات متكررة للرأي العام الإسرائيلي. كما أن الصورة الديموقراطية التي “ميزت” إسرائيل منذ 1948 في العالم الغربي بالطبع، اختفت، وهي اليوم دولة تواجه العزلة على الساحة الدولية أكثر من أي وقت مضى، وأصدقاؤها وحلفاؤها يتضاءلون وسط جهود متسارعة لنزع الشرعية عنها مع تصاعد العداء للسامية في جميع أنحاء العالم. وكل ذلك استثار الاستياء في أوساط جماهيرية عالمية واسعة شملت أعدادا متزايدة في الجاليات اليهودية على امتداد العالم وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن إسرائيل ليست أكثر أمانا من فرنسا، ولن تكون، في ظل استمرار جنون هذه الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتطرفة التي لا تزال تصر على عدم رؤية قباحتها وقباحة سياساتها حيث نراها تتوغل بعيدا في العقلية التوسعية العدوانية العنصرية ذاتها، تترجم على الأرض بارتكاب مقارفات ومجازر دموية ضد الأرض والإنسان في فلسطين التاريخية. وكل ذلك ينتج حروبا (مع حزب الله وحماس) كما ينتج عمليات فلسطينية مقاومة في الضفة الفلسطينية، فأين – إذن – الأمان في “إسرائيل”؟!