توتر العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية: الثمن؟

انتقد مسؤولون كبار في “الإدارة الأمريكية” بشدة رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) وسلوكه حول دعوة مسؤولين بارزين في الحزب الجمهوري له لإلقاء خطاب في الكونغرس. وقد اقتبست “واشنطن بوست” عن هؤلاء المسؤولين في “الإدارة” أن السفير الإسرائيلي في واشنطن (رون ديرمر) التقى قبل الدعوة بيومين وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) على مدى ساعتين ولكنه لم يقل شيئا عن زيارة (نتنياهو) إلى الولايات المتحدة. وبحسب هؤلاء المسؤولين، شعر (كيري) بالإهانة من سلوك (نتنياهو) و(ديرمر) كونه أجرى في الأسابيع الأخيرة ما لا يقل عن 50 مكالمة هاتفية مع زعماء في العالم في مواضيع هامة لمصلحة إسرائيل. وبسبب نكران الجميل الإسرائيلي، لم يتأخر رد البيت الأبيض، وفقا “للواشنطن بوست”، حيث أعلن أن “الرئيس أوباما لن يلتقي نتنياهو أثناء زيارته بل انه لن يجهد نفسه للخروج من العاصمة لتبرير ذلك”.

وفي مقال حمل عنوان “تعاظم الغضب الأميركي”، يقول الكاتب الإسرائيلي (حيمي شاليف): “لقد كان نتنياهو “مخرب الحفلات” إثر الحفل الذي نظمه أوباما لنفسه بعد خطاب حال الأمة التقليدي. وكان بالوسع التغلب، ربما، على الخلافات في الرأي بشأن الذرة الإيرانية، لكن مثل هذا التخريب السياسي والشخصي جدا لن يغفر ولن ينسى”. ويختم (شاليف): “لقد تصدعت مكانة إسرائيل أكثر، وغدت كرة لعب في الصراع الحزبي الداخلي وأبعدت نفسها أكثر عن الديموقراطيين. لقد ضيعت من الرصيد القليل المتبقي لها في الإدارة ومست بفرص العمل الذي من أجله، ظاهريا وعلى الأقل، يصل نتنياهو إلى واشنطن: زيادة الضغط على إيران عبر إقرار عقوبات جديدة”. في السياق، وفي مقال بعنوان “رجل يائس يذهب إلى واشنطن” كتب (عوزي برعام) يقول: “هذه الرحلة لن يكون الذهاب اليها كالعودة منها، فالطريق التي يتصرف بها نتنياهو تجاه الرئيس الذي يوفر حق النقض الفيتو ويمد له يد العون في صراعه ضد المحكمة الدولية في لاهاي في مواضيع الشكاوى المقدمة ضد اسرائيل. إن مواطني اسرائيل سيدركون كم هو ضار استخدام الكونغرس الامريكي للأهداف الانتخابية في اسرائيل، والى أي مدى رئيس الوزراء مستعد للذهاب من أجل ضمان بقائه في الحكم. ولكن حتى هذا الأداء لن يغير من الصورة شيئا وسيكون مصيره الفشل، فهذه المناورة مُحاكة بخيوط واهنة ستؤدي بها إلى الفشل ولن يكون لنا أي مجد أو عزة على هذه الطريق”.

أما على الصعيد الأمريكي، فقد ظهر الشرخ واضحا عندما أعلنت زعيمة الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب (نانسي بلوسي): “لم يتحدثوا معي، والأمر يتعلق بتوقيت غير مناسب”، تبعها عديد أعضاء الكونغرس الديموقراطيين، المؤيدين، مثل (نتنياهو)، للعقوبات الجديدة على إيران، حين أعلنوا أنهم ليسوا على استعداد الآن للتصادم مع الفيتو الرئاسي بسبب العقوبات الجديدة، وأنهم سيضطرون من الآن إلى الوقوف إلى جانب (أوباما) وإلا سيظهرون كعملاء للجمهوريين. وتحت عنوان “توتر مستمر وخلاف آخذ في الاتساع مع مرور السنين” كتبت صحيفة “الواشنطن بوسط” الأمريكية تحليلا سياسيا ألمح كاتبوه الى أن “الخلاف بين (نتنياهو) و(أوباما) قد يستعصي على الحل هذه المرة مما قد يخلق أزمة حقيقية بين إسرائيل وحليفها الأول في العالم الولايات المتحدة الأمريكية. فالخلاف يعكس ستة أعوام من الشك، وانعدام الثقة، والتظلم، والجراح القديمة التي سرعان ما تنفتح لأبسط الأسباب”.

          والشرخ، أمريكيا، لا يقتصر على معسكري الجمهوريين والديموقراطيين بل هو يمتد ليصل إلى “الجالية اليهودية” الكبيرة في الولايات المتحدة، وهذا الأمر سيكون موضع معالجة في مقال قادم.

الخلاف إذن، أكبر من أن يكون خلافا حول إلقاء (نتنياهو) خطابا في الكونغرس بل هو، حسب “الواشنطن بوست” خلاف “بين وجهتي نظر متباينتان كليا بين قائدي دولتين يربطهما تحالف منذ زمن بعيد. وهو يعكس استياء (أوباما) الذي شاهد بأم عينيه كيف كان (نتنياهو) في انتخابات عام 2012 يدعم خصمه الجمهوري، ويشاهده الآن يتجاوز البيت الأبيض ويعمل بدلا منه مع الكونغرس الخاضع لسيطرة الجمهوريين”!!!

إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تعتبر أحد أهم مقومات نظرية الأمن القومي الإسرائيلي. وازدياد التوتر اليوم في العلاقة بين حكومة (نتنياهو) والبيت الأبيض، مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية، بات يلقي بظلاله على مجمل هذه العلاقة. ومؤكد أن هذا التوتر/ التردي في العلاقات سيكون له ثمن. وبعبارات الصحفية الإسرائيلية (سيما كدمون): “لا شيء صدفة هذه الأيام. القرارات بشأن اغتيال الجنرال الإيراني، والمؤامرة مع الحزب الجمهوري ليست سوى برهان على أن نتنياهو هو الأطروحة النقيض للزعيم المتزن القادر على قيادة إسرائيل في مواضيع أمنية وسياسية”. وتختم: “سوف نرى ضرر هذين الحدثين لاحقا. سواء في حالة الإيرانيين أم حالة الأميركيين. قبل الانتخابات أو بعدها هناك ثمن”.