كيف جعلوا”التنسيق الأمني” في خدمة الاحتلال الإسرائيلي؟

ذهب اتفاق أوسلو مع الريح، ولم يبق منه إلا مادتين، الثامنة التي تنص على أنه: “من أجل ضمان النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ستنشئ السلطة الفلسطينية قوة شرطية قوية، بينما ستستمر إسرائيل في الاضطلاع بمسؤولية الدفاع ضد التهديدات الخارجية وكذلك بمسؤولية الأمن الإجمالي للاسرائيليين بغرض حماية أمنهم الداخلي والنظام العام”. والعاشرة: “من أجل تأمين تطبيق هادئ لإعلان المبادئ هذا ولأية اتفاقيات لاحقة تتعلق بالفترة الانتقالية، ستشكل فور دخول إعلان المبادئ هذا حيَّز التنفيذ، لجنة إرتباط مشتركة إسرائيلية – فلسطينية من أجل معالجة القضايا التي تتطلب التنسيق وقضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك”. فأين أصبحت لجنة الارتباط هذه، وهل تمارس أمرا غير التنسيق الأمني الذي يخدم إسرائيل – الدولة المحتلة؟

مبدأ التنسيق الأمني تحت الاحتلال هو إعطاء الواقعين تحت الاحتلال “مسؤولية” حماية المحتل من أنفسهم! وبهذا، في الحالة الفلسطينية، يدفع الفلسطينيون فاتورة الاحتلال على مستوى أمنهم، حتى أضحوا بين فكي كماشة: مواجهة الالتزامات الأمنية للسلطة في مواجهة أي عمل نضالي عنيف أو شبه عنيف ضد الاحتلال ومقارفاته التي لا تنتهي يوميا، وسعي الاحتلال الإسرائيلي نحو تحويل “السلطة”، عمليا، إلى وكيل أمني فقط، مستبيحا حتى الأراضي الفلسطينية المصنفة (أ). إذن، بات التنسيق الأمني لا يقدم حتى النزر اليسير، أمنيا، للشعب الفلسطيني.

إذن، نجحت إسرائيل في استغلال التنسيق الأمني لصالحها، ويتزايد عدد المؤمنين بأن بقاء “السلطة” مرهون بفعالية هذا التنسيق في حماية أمن إسرائيل، الأمر الذي يزيد الإحباط العام بين الفلسطينيين الذين يتمنون إلغاء التنسيق الأمني حتى لو كان سيؤدي لحل “السلطة”. أما دوليا، فقد شرعن التنسيق الأمني الاحتلال الإسرائيلي، وأخذت أغلب مقارفاته شكلا قانونيا خاصة تجاه “الإرهاب” ومفهومه الإسرائيلي. أما المفارقة، فلسطينيا، فإن التنسيق الأمني لا يسمح “للسلطة” منع إسرائيل من القتل أو انتهاك القانون الدولي، موفرا لإسرائيل الأداة القانونية لممارسة مقارفاتها تحت اسم “مكافحة الإرهاب”.

فكرة حل “السلطة” ليست بجديدة، بل هي متجددة. وخلال السنوات السابقة، لوح الرئيس (محمود عباس) وغيره من القيادات الفلسطينية باحتمال اتخاذ قرارات من هذا النوع، كون سياسات حكومات إسرائيل المتعاقبة قد سلبت السلطة الفلسطينية كل سلطة وأصبحت دون “ولاية حقيقية” في المجالات السياسية والاقتصادية والجغرافية والأمنية، أي أنها – عمليا – فقدت مبرر وجودها.

نعلم أن وقف التنسيق الامني سيقود بالضرورة الى إجراءات اسرائيلية ستؤدي بشكل تدريجي الى إنهاء “السلطة” بشكلها وتركيبتها الحالية. وطالما أنه لا يوجد قرار بحل السلطة سريعا، لن يكون هناك قرار بوقف التنسيق الامني مع إسرائيل فجأة، وإنما لربما على مراحل. ومعلوم أنه، في حال حل “السلطة”، سيتعين على إسرائيل تسيير أمور التعليم والصحة والمياه وشبكات الصرف الصحي وغير ذلك. كما أن المساعدات السنوية (2 مليار دولار) التي يقدمها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية للسلطة الفلسطينية ستتوقف، وسيكون على إسرائيل المحتلة تسديد النقص الناتج عن توقفها، وهو جزء بسيط من المبالغ الإجمالية التي سيتعين على إسرائيل صرفها في حال حل السلطة.

في مقال كاشف، أكد الكاتب الإسرائيلي (أوري سفير): “إن أمريكا وأوروبا يحاولان الإبقاء على التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، باعتبارها مصلحة مشتركة للجميع.. لكن الرأي العام الفلسطيني في الضفة الغربية يضغط على السلطة بهدف إلغاء التنسيق الأمني مع إسرائيل بعد أن اقتنع أنه خضوع للاحتلال الاسرائيلي وللسياسات الاستيطانية”. وقبل أيام قليلة، حذر وزير الاستخبارات الاسرائيلي (يوفال شتاينتس) من أن “إسرائيل سوف تحل السلطة الفلسطينية اذا ما تم تمرير مشروع القرار في مجلس الامن باعتباره قرار عدائي وعدواني وأحادي الجانب فيما يتعلق بدولة فلسطينية”.

يكاد الحديث عن ضرورة بقاء التنسيق الأمني يصبح اسطوانة مشروخة لا يعكس الاستماع لها الحقائق القائمة. فإسرائيل هي من يمارس مختلف أنواع المقارفات أحادية الجانب، متجاهلة التنسيق الأمني حين تشاء، يوميا. وعليه، لماذا نبقى نتمسك نحن بهذا التنسيق؟! ألم يحن الوقت بعد لتمزيق هاتين المادتين في اتفاقية أوسلو كما مزقتهما إسرائيل مع كل البنود الأخرى؟!! وطبعا، مثل هذا الخيار يقتضي العودة سريعا إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة المقاومة والصمود والتمسك بالبرنامج الوطني الفلسطيني (برنامج الحد الأدنى على الأقل) باعتباره الطريق الأنسب راهنا لانتزاع الحقوق وحماية القدس والأقصى والمقدسات، وتحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية.