“إسرائيل” و”داعش”: المشترك في الجذور والآفاق

“داعش”، بمعنى إسقاطي، هي الوجه الديني الآخر “لإسرائيل”. ففكرة القمع والإضطهاد للآخر تجد أرضا خصبة بين أفكار شمولية لعل من أفدحها التعصب الديني والمذهبي. فنحن، نجد أنفسنا أمام فكر تكفيري يهودي صهيوني، وفكر تكفيري آخر يقبع – زورا – تحت راية الإسلام. وفي الحالتين، الحصاد: فظاعات، جرائم وحشية، مجازر ضد الأبرياء العزل، زرع الخوف والرعب في قلوب الكبار قبل الصغار، وغير ذلك كثير. هذه هي بعض ممارسات “إسرائيل”، وأيضا ممارسات “داعش”، كلاهما سواء في مرتبة همجية القرن الواحد والعشرين!!! لا فرق حقيقي بينهما. فكل منهما يضطهد الإنسان على أساس عرقي. وكلاهما، أيضا، يخلف وراءه، كما الطاعون، آلاف الضحايا من كل الأعمار، يرافقهما عمليات هدم وتدمير لأحياء سكنية كاملة يصبح الآلاف من أهلها مشردين لا ملاذ لهم. وكلاهما، يتبنى كل ما شأنه الإستهانة بحياة الإنسان وبكل ما يحمله هذا الأخير من قناعات ومقدسات تشير إلى انتمائه الوطني او الديني او القومي. ما الشيء الذي فعلته “داعش”، ولم تفعله إسرائيل مرات ومرات. كلاهما جرثومة بفكر متطرف، ديانة مختلفة نعم، لكن “عقيدة” الهمجية واحدة.

متشابهتان في الفكرة والتأسيس. “دولتان” بلا حدود رسمية معترف بها، وبلا هوية، وبلا دستور. وكل منهما تشكل من مرتزقة من كل حدب وصوب، ثم مشروع سياسي يتحول إلى أمر واقع على الأرض. في البدايات، عصابات إجرامية مسلحة ومنظمة قدمت من كل أصقاع الأرض، هي من نفذ الجرائم والمجازر في فلسطين وروع وشرد أهلها. واليوم، نرى أيضا، عصابات إجرامية مسلحة منظمة، أتت من كل أنحاء الأرض، تقتل الناس في العراق وسوريا وغيرهما، وتشرد من لا يؤمن بأفكارها، و”حقها” – ربما في قادمات الأيام – كما “إسرائيل”، في تأسيس وطن لعناصرها القادمة من كل أنحاء الأرض تسمى زورا (الدولة الإسلامية)!!! متشابهتان في النظام السياسي، فكلاهما – في الجوهر – دولة ثيوقراطية يستمد الحاكم فيها سلطته مباشرة من الإله، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين (أو ممثلي أفكارهم من قوميين متطرفين أو متدينين متشددين لا فرق) الذين يعتبروا موجهين من قبل الإله أو يمتثلون لتعاليم سماوية!!!

مع انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، ومع استمرار حرب التحالف الدولي ضد “داعش”، قدم مثقفون إسرائيليون رؤيتهم لما بات يعرف في العالم أجمع “الصورة المرعبة لإسرائيل” ولماذا صارت أكثر دموية ووحشية. ويقول الدكتور (إيلان سابان) المحاضر في كلية الحقوق في جامعة حيفا: “إن إسرائيل تدنو من نظام فصل عنصري (أبارتايد) على غرار صربيا وجنوب إفريقيا بالماضي”. وأكد “استحالة وجود نظام ديموقراطي في إسرائيل طالما أنها دولة محتلة وطالما أنها تدير ذاتها على مبدأ إثني”. أما المعلق السياسي البارز (جدعون ليفي) فيرى أن “الأحوال السيئة الراهنة ستزداد سوءاً لعدم وجود من يوقفها”. وفي تشخيصه للحالة الراهنة والمستقبلية، يضيف إن “المشكلة تكمن أيضا بأن أغلبية الإسرائيليين لا ترى بالفلسطينيين بشرا متساوين، يضاف الى ذلك جهلهم بالديمقراطية التي يعتبرونها مجرد تصويت أغلبية ضد أقلية.. تأييد اثنين لقتل شخص لأنه أسمر مقابل معارضة واحد”. وبشأن الحرب الأخيرة على غزة، يشير (ليفي) أنها “كشفت عن كل التغيرات داخل إسرائيل وتجلت بتأييد قتل الأطفال الفلسطينيين كما تبين من التعقيبات في الشبكة العنكبوتية، مثلما تجلى بدعوة رئيس الإئتلاف الحاكم ياريف لفين لمحاكمته (أي ليفي) بصفته خائنا لانتقاده الحرب”. ثم يصعد (ليفي) إلى الذروة معلنا: “إسرائيل في الحرب على غزة كانت أسوأ من داعش لأن القتلة من الإسلاميين المتطرفين يرون ضحيتهم وهي تموت وربما يدفعهم ذلك للشعور بالذنب والتراجع، أما في إسرائيل فتتم عمليات الإعدام عن بعد ولا ترى إلا عبر شاشات التلفاز أو نافذة الطائرة”.

الدولتان (“اليهودية”) و(“الاسلامية”) تملكان قدرة على الترويع والقتل، بما حازتا عليه من قوة عسكرية واقتصادية، وبأعداد الذين انضموا اليهما من كافة انحاء العالم تحت لافتة الدين من أجل إقامة “وطن قومي يهودي” للأولى، و”خلافة إسلامية” للثانية. وفي تقرير نشره الموقع الأمريكي البحثي “فيترانس توداي” حول أوجه التشابه بين “داعش” و”إسرائيل”، قال إن “إسرائيل تدعي أنها الدولة اليهودية كما أن داعش تصف نفسها بأنها الدولة الإسلامية، ولكن تلك الكيانات الإرهابية تعرف نفسها من حيث الايديولوجيات الطائفية الصارمة”. ويضيف الموقع: “داعش وإسرائيل يعيشان على أرض مسروقة، ويدوسان بوحشية على الشعوب التي يرونها أقل منهم أو بالأحرى من الدرجة الثانية، كما أنهما يتشاركان في وجهات النظر الدينية، ويفخران بارتكاب الفضائع الرهيبة”. ويشير الموقع الأمريكي نفسه إلى أن “اليهود يتحولون ضد ما يسمى بالدولة اليهودية، وفي المقابل يسحب المسلمون دعمهم لما يسمى بالدولة الإسلامية”. ويختم تقرير “فيترانس توداي” بخلاصة جوهرية: “يوجد بين إسرائيل وداعش الكثير من القواسم المشتركة، بما في ذلك الطائفية، وجرائم الحرب، وزعزعة استقرار الدول المجاورة، والعيش على أرض مسروقة، فيجب عليهما الاندماج في كيان واحد، فذلك الكيان سيكون مناسبا للأشخاص الذين يتمتعون بإطلاق النار على الأطفال وقطع الرؤوس، سيكون مكانا للكائنات المتعصبة، المحبة للكراهية”.

وبعبارات مباشرة واضحة، نقول: إسرائيل، “الدولية اليهودية”، تلعب دور “قاعدة الجنود المرتزقة” في خدمة المصالح الغربية السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط (الدم الحيوي للعالم الغربي) وذات الموقع الاستراتيجي، ودورها الحربي المدجج بأحدث الأسلحة يرتكز على إبقاء العالم العربي مفتتا ومتصارعا في نزاعات عرقية ومذهبية داخلية لأجل نهب نفطه بشتى الوسائل. و”داعش”، لا تختلف في أي شيء من هذا. فهي تلعب نفس الدور القائم على التطهير والعنف عبر شيطنة الآخر ومحاولة إلغائه من الوجود، بل وتحقيق منافع على حساب الآخر، وكأني بمنطقة الشرق الأوسط مطلوب أن تظل مشغولة بمشاكلها الداخلية وحروبها الدموية، ونزيفها الاقتصادي، وتفتت مكوناتها. وحقا، ها نحن نعيش ذات اللحظة التاريخية المروعة من جديد. ولنتذكر، أن عصابتي الهاجانا وشتيرن الصهيونيتين، تمكنتا من تأسيس دولة في فلسطين، وبدلاً من مهاجرين يهود يجتازون حدود أوروبا، ثم “يستوطنون” في أرضنا (أي يستعمرونها) لإنشاء “دولة يهود”، ها هم مهاجرون متأسلمون يسافرون بين القارات، ليستوطنوا في أرضنا، ويقيموا “الخلافة الإسلامية”!!!