مروان البرغوثي، والاستطلاعات، والمستقبل

لطالما أثارت قضية استطلاعات الرأي العام، في الضفة الغربية وقطاع غزة، الجدل في الأوساط السياسية الفلسطينية، بسبب الاختلافات الكبيرة في نتائجها. وكي لا ندخل في مسائل شائكة من مثل درجة الارتباط بين مراكز استطلاع الرأي الفلسطينية ومراكز صنع القرار من جهة، والجهات الممولة من جهة أخرى، أثيرت في الآونة الأخيرة مسألة التراجع الملحوظ في شعبية حركة حماس. ففي أحدث استطلاع للرأي نشره “المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي”، أعده الدكتور نبيل كوكالي، تبين أنه لربما قد آن أوان استمرار الإصرار على الإفراج عن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الأسير مروان البرغوثي حتى يتمكن من الترشح في الإنتخابات الرئاسية القادمة باعتباره المرشح الأكثر حظا، مع تقديرنا أن الأمر يحتاج – إسرائيليا – إلى معجزة!. وفي مقارنة لنتائج الاستطلاع في الضفة والقطاع عمن هو المرشح الأوفر للرئاسة، أجاب (44.3%) محمود عباس، (17.6%) إسماعيل هنية. أما إذا كانت المنافسة بين مروان البرغوثي وإسماعيل هنية، فالنتيجة (49.7%) لمروان البرغوثي، (16.0%) لإسماعيل هنية. وإذا ما كان الخيار بين الرئيس عباس ومروان البرغوثي، كانت النتيجة (26.9%) للرئيس، (33.2%) لمروان البرغوثي، في حين كان الحال بين خالد مشعل والبرغوثي (51.0%) للأخير و(16.2%) لخالد مشعل.

لا خلاف على أن ما تمثله حركة فتح لا يزال في نطاق الفكرة النضرة المقبولة من الشعب الفلسطيني رغم الخلافات والانقسامات. وبالفعل، ثمة فارق بين ما تمثله فتح وما هو واقعها. فلا خلاف على أنها حركة تعاني عديد المشاكل الداخلية التنظيمية والبنيوية وهو ما قد ينعكس سلباً على أدائها، خاصة مع اقتناع الحركة أن صناديق الاقتراع هي الآلية الديمقراطية لتجديد شرعيتها في قيادة الشعب الفلسطيني، وبما يحمي ضمناً، خياراتها المتمثلة في السلطة الوطنية الفلسطينية ومسار المفاوضات وصولا إلى حل مرض، في مواجهة شرعية اكتسبتها حماس في انتخابات 2006. لكن في مسألة الاقتراحات المتداولة لتعيين البرغوثي نائبا للرئيس عباس، ومع تشجيع الشارع لذلك وفق ما تبينه استطلاعات الرأي، فإنها مسألة تثير الخلاف في صفوف أعضاء اللجنة المركزية للحركة، فهناك أصوات داخل اللجنة تعتبر الترشيح غير عملي وأن المصلحة الوطنية ومصلحة حركة فتح تقتضيان أن لا يكون نائب الرئيس معتقلا لدى إسرائيل. فهل يختار الرئيس عباس قياديا آخر؟ أو هل يقبل بالضغوط بتعيين البرغوثي نائباً له وذلك من أجل الضغط على إسرائيل لإخلاء سبيله من السجن؟ خاصة وأن الرئيس عباس يؤكد باستمرار على زهده بالمناصب بعد أن قارب الثمانين عاما، والمصالحة في طريقها للترسخ على الأرض، والمفاوضات تدور في حلقة فارغة وليس مفرغة فقط، علاوة على حالة هستيرية إسرائيلية قديمة/ جديدة ضد الرئيس عباس تقودها “النخبة” (بالأحرى الخمّة) الحاكمة الآن في الدولة الصهيونية.

بالعودة إلى الاستطلاع، نقول: صحيح أنه قد أكد نتائج استطلاعات سابقة من حيث شعبية فتح وحماس، لكن الملاحظ في الاستطلاع الأخير كونه أظهر تنامي نسبة الذين أعلنوا أنهم لن يشاركوا في الانتخابات، حيث تراوحت النسبة بين (25 – 30%)، أو أولئك الذين لم يقرروا بعد (7 – 10%)، وهي نسبة لافتة للنظر حيث أنها تلعب دورا حاسما في النتيجة النهائية لأي انتخابات. ومسألة غير المشاركين الذين لم يحسموا أمرهم بعد مسألة جد مهمة، ويجب البحث فيها لإيجاد تفسيرات مقنعة، ربما يكون على رأسها كون الانتخابات الفلسطينية أظهرت إفلاس أو هزال أداء معظم الفصائل والحركات، والتي أيضا اتجهت نحو العشائرية والقبلية والعائلية، وتخلت عن ما كانت تطرحه على مدار سنوات النضال، فضلا عن اتهامات بالفساد تواجهها السلطة منذ بداية تأسيسها، حيث طفت إلى السطح عدة قضايا يتهم فيها مسؤولون فلسطينيون، بل إن قيادات من حركة فتح، بعضها خارج السلطة، لم تسلم من اتهامات بالفساد والاختلاس. وبحسب آخر تقديرات “معهد العالم العربي للبحوث والتنمية” فإن “نحو 890 ألف شاب فلسطيني في القطاع والضفة، أعمارهم ما بين 17 و 26، لم يكونوا سجَّلوا للانتخابات عام 2006، ولم يُتَح لكثير منهم – وحتى الآن – فرصة فعلية للمشاركة في التسجيل للانتخابات، وخصوصاً في القطاع، حيث يبلغ عدد شبابها غير المسجَّلين في قوائم لجنة الانتخابات المركزية 360 ألفاً”، وهو رقم يكفي لحسم نتيجة أي انتخابات مقبلة سواءً كانت تشريعية أو رئاسية. فهل هذا نوع من الاحتجاج الصامت؟ وهل لذلك علاقة بفشل فتح وحماس في تحقيق أهدافهما، سواء بالكفاح المسلح او بالانتفاضة او بالطرق السلمية، في وجه المقارفات الإسرائيلية المستمرة لتهويد للقدس واتساع الاستعمار/ “الاستيطان”، فضلا عن ظهور ممارسات القيادات الفلسطينية السلبية على السطح، الأمر الذي ربما جعل الشباب الفلسطيني لا يرى أي أفق سياسي، وبالذات بعد أن زاد الانقسام بين الحركتين الكبيرتين درجة الاحباط واليأس، وبات خطابهما غير مقنع، وكأنهما لا تهتمان بمصلحة الشعب وانما بمصالحهما الخاصة. وفي السياق، فإن خطاب معظم الفصائل الأخرى (لدى هؤلاء الشباب) لا يتجاوز اليوم كونه خطاب نوايا ووعود مسائية يمحوها فجر الصباح، مما يؤكد في نظرهم فشلا في التعامل الجاد مع أي تحد كبير سواء كان داخليا أو خارجيا، وعندهم أن هذه الفصائل – لضعفها – تسعى لتسويق خطاب إعلامي ذاتي ليس إلا، بعد أن فقدت وجودها الفعلي ودورها المؤثر (سابقا). وفي حين حافظ بعض الفصائل على نفسه، تحول البعض الآخر إلى “بقايا تنظيم” كونها منقسمة على نفسها لأنها عجزت عن معالجة اختلافاتها الداخلية، علما بأنه لم يبرء فصيل واحد من الأخطاء والأزمات والمنازعات الداخلية. والحال كذلك، بات مطلوبا، بل ملحا، توافق كافة الفصائل والقوى الفلسطينية الفاعلة على تسريع إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بانتخاب مجلس وطني جديد ينتخب لجنة تنفيذية جديدة تشرف على تنفيذ كافة بنود المصالحة واستحقاقاتها، كما تتولى – من خلال حكومة توافق وطني – إدارة شؤون الضفة والقطاع. كما بات أمرا ملحا أن تُبادر حركة فتح (وغيرها من الفصائل الجادة) إلى تنفيذ دعوتهم لإطلاق المقاومة الشعبية لأنها تشكل رافدا من الروافد المهمة المتاحة لإنهاء الاحتلال. وفي السياق، هلاّ دفعنا أكثر باتجاه الإفراج عن البرغوثي؟