المقاطعة: إدراك إسرائيلي بتزايد خطورتها؟

في العام 2005، تأسست الحركة المدنية الفلسطينية المعروفة باسم (BDS) لأجل مقاطعة إسرائيل والتي تنادي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي واستعماره لكل الأراضي العربية، فضلا عن تفكيك جدار الفصل العنصري، والاعتراف الإسرائيلي بالحقوق الأساسية لفلسطينيي 48، وقيام إسرائيل باحترام وحماية وتعزيز حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم كما هو منصوص عليه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. هذه الحركة الفلسطينية المدنية تؤمن وتعمل باللاعنف، مثلما هي تخاطب أصحاب الضمير الحي من كل الأعراف والأديان والجنسيات وعلى رأسهم المجتمع الإسرائيلي وكل الجاليات اليهودية حول العالم. لهذا أصبح الدعم العالمي لهذه الحركة المدنية يغطي بلدان العالم على نحو تدريجي لكنه ثابت.

لقد كشفت الحركة المدنية الفلسطينية حقيقة إسرائيل المستندة إلى التمييز العنصري وزيف ديمقراطيتها في عدد متنام من الميادين على المسرح الدولي، الأمر الذي خلق خشية متزايدة في إسرائيل أجبر وزارة الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية الإسرائيلية على تجهيز خطة تقوم على استخدام الإعلام والدعاية وتفعيل دور المنظمات الدولية المتعاطفة مع الدولة الصهيونية. ولكن وزارة الخارجية الإسرائيلية رأت بأن هذه الخطة التي تتطلب أموالاً جمة لن تنجح بتاتاً، بل العكس “ستزيد حدة المشكلة”. ووفقاً للخارجية الإسرائيلية، يتجسد الحل حاليا لمواجهة حركة BDS عبر وصفها بانها “معادية للسامية”. بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) لعب على الحبل ذاته، وصرح: “أعتقد انه من المهم ان نكشف حقيقة الداعين لمقاطعة اسرائيل بأنهم معادون تقليديون للسامية ولكن بزي حديث، واعتقد ان علينا محاربتهم”. وقد رد (عمر برغوثي) الناشط الفلسطيني وأحد مؤسسي (BDS) في مقال له في “نيويورك تايمز” على اتهامات إسرائيل بكون (BDS) أصبحت خطراً يهدد “شرعية” الدولة الصهيونية قائلاً فيه: “إن حركة BDS لا تمثل خطراً موجهاً لأجل إزالة إسرائيل كدولة بل هي تشكل بالفعل تحديا للنظام العنصري الاستعماري الحالي في إسرائيل. لقد زال النظام العنصري في جنوب إفريقيا وما زالت جنوب إفريقيا دولة قائمة. وإن النظام العنصري الصهيوني القائم هو الذي جلب المقاطعة ضد إسرائيل”. وفي تقرير لها، قالت “السي بي إس”، إحدى أشهر شبكات التلفزة في الولايات المتحدة الأمريكية، إن “التصويت بمقاطعة إسرائيل ما يزال في طوره الرمزي ولكنه مؤشر إلى أن تلك المقاطعة ربما تنامت ليعتزل العالم إسرائيل شيئا فشيئا، ولن يجدي إسرائيل شيطنة مشروع عزلها بما تروجه من أقاويل تنسبها إلى الحركة عن “عداء السامية”. فالمقاطعة مثل كل الأفكار، التي إذا جاء أوانها، شقت طريقها للتحقق الكامل”. وفي مقال حمل عنوان “المقاطعة، سحب الاستثمارات، والعقوبات: كيف نحبط التهديد” كتب (مارك هيلر) يقول: “واضح أن حجم العقوبات الاقتصادية (والمقاطعات الاخرى في مجالات الثقافة والتعليم العالي)، التي كان مسببها الأول نشاط الـ BDS، ازداد في الاشهر الاخيرة. ومن الصعب الاختلاف مع حقيقة أن إسرائيل هشة جدا تجاه مقاطعة من هذا القبيل”. وأضاف: “سيكون من قبيل عدم المسؤولية من جانب زعماء في إسرائيل الاستخفاف بهذا التهديد او التظاهر بانه يمكن معالجته بمجرد الحملات الاعلامية أو التنديد بالجهل، وانعدام الأخلاقية أو الإزدواجية الأخلاقية أو الدافع اللاسامي”.

النجاح المتنامي الذي تحققه حركة (BDS) الفلسطينية، إذا تُرجم إلى الدولارات كما بينته صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، هو نجاح ملموس. فقد أكدت الصحيفة: “أن خسائر إسرائيل من هذه المقاطعة وخاصة لنمو 70 مصنعاً في المستوطنات والمزارعين من مستوطنات غور الأردن قاربت أن تصل إلى 20 مليار دولار وفصل نحو عشرة آلاف عامل من العمل في الفترة القريبة المقبلة”. في هذا السياق، جاء كلام وزير خارجية الولايات المتحدة (جون كيري) من أن “إسرائيل تمر بإزدهار مؤقت وأمن مؤقت ولكن ذلك وهم وسيتغير مع فشل محادثات “السلام” وستواجه إسرائيل مخاطر أكبر بكثير”. كذلك، أكدت ندوة حملت عنوان “إسرائيل وأميركا وشرق أوسط يتلاطم بالأمواج”، نظمها معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، الذي يعتبر مركزا بحثيا وفكريا انبثق عن منظمة “إيباك” (اللوبي الإسرائيلي) عام 1985، وتحدث فيه (ستيفن هادلي) مستشار الرئيس الأميركي السابق لشؤون الأمن القومي ايام رئاسة (جورج بوش)، ومبعوث الرئيس (باراك أوباما) لمفاوضات السلام السابق الصهيوني/ اليميني (دينيس روس)، وأدارها مدير المعهد (روبرت ساتلوف)، المعروف بتعصبه لصيونيته، الذي قال في بداية الندوة: “ثلاثتنا عدنا للتو من إسرائيل بعد أن شاركنا في المنتدى السابع للمؤتمر الدولي حول مواجهة المستقبل، وتمحيص مسالك جديدة في مواجهة التحديات، ويمكنني أن أقول لكم بأن الإسرائيليين يعيشون – من وجه نظرهم – لحظة بالغة الاستقرار والرخاء، ويعيشون في فقاعة مريحة بسبب الفوضى والدمار الذي يجتاح البلدان المحيطة بهم”. وأضاف (ساتلوف): “ولكن خشيتي أن هذه الفقاعة المريحة التي يعيشها الإسرائيليون، شأنها شأن مماثلاتها، ستنفجر في لحظة ما”.

يقول (نداف ايال) في مقال بعنوان “جون كيري لا يصنع السلام”: “الابرتهايد الجنوب افريقي إنهار ضمن أمور أخرى بسبب عقوبات حازمة ومقاطعة اقتصادية. عمليا، في عصرنا، اذا كانت الامم تساوم على الاراضي، فان هذا بشكل عام يرتبط بشكل عميق مع تهديدات اقتصادية وفرص نجاح. المطرقة التي يضرب بها كيري يمكن أن تبدو ضعيفة في البداية، ولكن طرقه سيتعاظم”. وتعتبر (حنان عشراوي) عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل هي على غرار النضال الطويل، ولكن الفعال لإنهاء نظام الفصل العنصري والعنصرية المؤسساتية في جنوب إفريقيا”. وختمت برفضها الاتهامات التى تطلقها الحكومة الإسرائيلية عن قيام حركة المقاطعة بمحاولة “نزع الشرعية” عن إسرائيل، حيث قالت: “في حال اختارت إسرائيل التعريف عن نفسها فقط بمشروعها الاحتلالي والاستيطاني والتطهير العرقي، فإنها وحدها تتحمل مسؤولية نزع الشرعية عن نفسها”.

حقا، إن مقاطعة إسرائيل اقتصادياً (وغير ذلك) تتفاعل يوماً بعد يوم، حيث تواجه موجة عارمة لمقاطعتها خاصة في أوروبا. ومن المؤكد أيضا أن سلسلة النجاحات التي حققتها (BDS) تشجع على الدعوة الى فرض عقوبات على اسرائيل مماثلة لتلك التي فرضت على نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. وقد أعربت صحيفة “هارتس” عن قلقها وكتبت تقول: “التحذير أصبح أكثر وضوحا وشدة. وقد يتضاعف الاعتقاد بإمكانية تركيع إسرائيل مثلما حدث مع جنوب إفريقيا”.