قطاع غزة على بركة من “القاذورات”و”المجاري”: إلى متى؟!!

“منذ حزيران/ يونيو 2007، عندما تم تشديد الحصار الإسرائيلي، أصبحت البنية التحتية للطاقة والمياه والصرف الصحي في قطاع غزة غير كافية لتلبية الحقوق الأساسية لسكانها، الذين كانوا فقراء بالفعل بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل وعقود من الإهمال”، وفقا لما قالته “منظمة العفو الدولية”. ومؤخرا، ناشدت ذات المنظمة الدولية السلطات المصرية تسهيل بناء خطوط الكهرباء الجديدة من أجل زيادة امدادات الكهرباء إلى جنوب قطاع غزة، مؤكدة على وجوب عمل السلطات الفلسطينية والإسرائيلية معاً لإيجاد حل مستدام لأزمة الوقود. ومع ذلك، في 13 تشرين أول/ نوفمبر الماضي، فاض أكثر من 35,000 متر مكعب من مياه الصرف الصحي الخام عندما توقفت “محطة ضخ حي الزيتون” في القطاع عن العمل. وأثناء تنظيف هذه القاذورات، غمرت مياه الصرف المنطقة مرة أخرى عندما سقطت الامطار الغزيرة بين 11 و15 كانون أول/ ديسمبر، وكانت كمية النفايات تقترب من الضعف هذه المرة في ظل أسوأ عاصفة تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ عقود. وفي مدينة غزة، التي تعتبر واحدة من المناطق الأكثر تضرراً، أشارت تقديرات البلدية إلى أن “مئات الآلاف من الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار فاضت من محطات الضخ وفتحات المجاري وغمرت الشوارع والمنازل”.

فضلا عن انقطاع المياه النظيفة والاحتياجات الأساسية، تعيش غزة اليوم فوق بركة من “القاذورات” و”المجاري” وذلك بسبب مجموعة من العوامل، أهمها انقطاع التيار الكهربائي الذي يعطل مضخات مياه الصرف الصحي التي تختلط مع مياه الأمطار. ووصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) الوضع بأنه “واحدة من أزمات الطاقة الأكثر خطورة في السنوات الأخيرة، والتي قد تترتب عليها تداعيات إنسانية خطيرة”. كما حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من أن نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي الناجم عنه في غزة يزيد من “خطر حدوث أزمة صحة عامة واسعة النطاق”. بل إن (توني بلير) ممثل اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط، اعتبر أن “تأثير العاصفة زاد من إلحاح التدخل الفوري من أجل تجنب وقوع كارثة إنسانية في قطاع غزة” 

رغم ذلك، يزداد الوضع سوءا في القطاع، فلا إجراءات عاجلة لتجنب المزيد من المشاكل. ولا رؤية استراتيجية للتعامل مع مثل هذه الحالات. فقبل العاصفة، وبسبب أزمة الطاقة، حصل 15% فقط من سكان غزة على المياه للاستخدام المنزلي بشكل يومي. وحصل عليها 20% من السكان كل يومين، و25% كل أربعة أيام، و40% كل ثلاثة أيام. ومن المعيب، حقا، أن الانقسام الفلسطيني/ الفلسطيني شغل رام الله وغزة عن مآسي القطاع، الذي بات سكانه يغرقون في أغلب الأيام في ظلام دامس، واستمرار الأزمة بات يهدد الصحة العامة للمجتمع الغزي جراء تأثر عمل مضخات الصرف الصحي مما يزيد من نسب التلوث وانعكاساته الكبيرة على مجمل الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني، فضلا عن أن استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي ستؤثر بشكل مباشر على عمل المستشفيات. وقد ألقت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية (PNGO) ومنظمات حقوق الإنسان المحلية في غزة اللوم على سياسات الحصار الإسرائيلي، وكذلك السلطات الفلسطينية. وقالت الشبكة: “لقد فشلت حكومتا رام الله وغزة في اتخاذ أي خطوات فعالة للتغلب على هذه الأزمة وتبعاتها، وبالتالي فقد حدث تدهور كارثي في جميع الخدمات الأساسية اليومية التي يحتاج إليها السكان”. وبحسب تقرير للأمم المتحدة، يتهدد العطش قرابة مليوني مواطن في غزة جراء نفاد المياه الصالحة للشرب تماما خلال السنوات الخمس المقبلة. وأفاد التقرير أن “غزة باتت تفتقر إلى المياه الصالحة للشرب، وأن الأزمة الأخيرة المتمثلة بانقطاع التيار الكهربائي فاقمت من سوء حال المياه في القطاع، ولم يعد وصولها إلى آلاف المنازل بالأمر الممكن بعد أزمة الكهرباء وانعدام الوقود”. وفي هذا السياق، تقول تقارير بحثية متخصصة أن 95% من المياه الجوفية لقطاع غزة غير صالحة للشرب، لانخفاض جودتها بسبب زيادة نسبة الكلورايد والنترات فيها.

في مقال مشترك نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” بعنوان: “لا ينبغي أن تكون غزة عائمة في المياه العادمة”، قال اثنان من نشطاء البيئة، (ألون تال) و(يوسف أبو ميالة) “إن تقاعس الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بتنحية خلافاتهم جانباً من أجل إتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة أزمة المياه الوشيكة فى قطاع غزة يدفع ثمنه قرابة الـ1,7 مليون مواطن من سكان غزة يواجهون ظروفاً كارثية”. وأضاف الكاتبان: “منذ الحصار الذى فرضته إسرائيل بالإضافة إلى هدم الأنفاق المصرية، غزة لم تحصل على الوقود الكافي للحفاظ على إمدادات الكهرباء والحفاظ على 290 من مرافق المياه والصرف الصحي حتى تستمر فى عملها. وعلاوة على ذلك، رفضت حكومة حماس شراء وقود بديل لأن الضرائب على هذا الوقود ستذهب إلى السلطة الفلسطينية بقيادة منظمة فتح؛ ونتيجة لذلك، توقفت محطات الضخ عن العمل فى تشرين أول/ نوفمبر وبالتالي أصبحت العديد من الشوارع في جنوب مدينة غزة الآن مليئة بالاخراجات البشرية”. وأضاف الكاتبان: “إن أزمة الصرف الصحي ليست سوى مظهر من المظاهر الأكثر حدةً لكابوس المياه الذي يعاني منها قطاع غزة، لا سيما أن الضغط على الموارد المائية أصبح – منذ فترة طويلة – لا يمكن تحمله”. وعليه، أضحت الآثار الصحية المترتبة على ذلك واضحة. فوفقاً لمسح أجرته “اليونيسيف” مؤخرا يعاني 20% من أطفال غزة من الأمراض المتصلة بالمياه. ومن دون وجود أي إجراءات علاجية، يذهب الوضع إلى مزيد من السوء وحسب. وختم (تال) و(أبو ميالة) مقالهما بالقول: “بصرف النظر عن اللياقة الإنسانية، هناك أسباب براغماتية كثيرة ينبغي أن تدفع إسرائيل إلى القلق. في كل يوم، يصب نحو 3,5 مليون قدم مكعب من مياه الصرف الصحي في البحر المتوسط. وفي المقابل، تعتمد إمدادات مياه إسرائيل الصالحة للشرب بشكل متزايد على تحلية مياه البحر، علما بأن واحدة من أكبر منشآتها، في عسقلان، تقع على بعد بضعة أميال على طول الخط الساحلي إلى الشمال من غزة. وفي حين يمكن أن تقيم إسرائيل سياجاً لمنع تسلل “الإرهابيين”، فإنه لا يمكنها وقف تدفق الفضلات البشرية من البحر”. فهل نشهد مستجدات تنقذ “القطاع” وأهله الصابرون المصابرون؟!