هل تنجح إسرائيل في “تصفير” حق العودة؟

ما زالت قضية “حق العودة” للاجئين الفلسطينيين تُثير الخوف عند أصحاب القرار في الدولة الصهيونية باعتبارها “تقايض على مصير إسرائيل”!! ويظهر بشكل واضح أن إسرائيل لا تأخذ هذا الحق بعين الاعتبار في أي تسوية شاملة، مع العلم أن أي تسوية ناقصة لن ترى النور، طبعا دون التقليل من أهمية القضايا الجوهرية الأخرى كالقدس والمستعمرات/ “المستوطنات”. ولطالما كان موضوع “حق العودة” مجال نقاش متجدد في الأوساط الإسرائيلية متضمنا صيغا مشوهة وهزيلة عن ذلك الحق على نحو يجعلها حتى غير مقبولة في بعض الأوساط الإسرائيلية، ناهيك عن رفضها فلسطينيا وعربيا وإسلاميا.

في الآونة الأخيرة، ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن رسائل متعددة من جهات إسرائيلية وصلت لعدة عواصم في المنطقة، تفيد بأن “ملف حق العودة في التفكير الإسرائيلي لم يعد مقفلا تماما كما كان في الماضي ويمكن البحث به جزئيا لأول مرة في واحدة من سلسلة تطورات لافتة على هذا الصعيد”. بعض التعبيرات في هذا الإطار نشرتها صحف إسرائيلية، وبعضها الآخر وصل عبر قيادات بارزة في المجتمع اليهودي الأمريكي من خلال حوارات بحثية الطابع. وفيما يبدو، فإن وزارة الخارجية الأمريكية طلبت من بعض سفاراتها في المنطقة إعداد بيانات إحصائية حديثة جدا عن أوضاع وأعداد اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية والعالم. وبحسب الصحافة الإسرائيلية، أشارت مصادر دبلوماسية مطلعة أشارت لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) حول “تنازلات مؤلمة قد تضطر لها إسرائيل لاحقا باعتبارها أدلة على موقف أمريكي يتم ترويجه عبر القنوات الدبلوماسية ويفيد بأن بعض تفصيلات حق العودة إلى فلسطين بات من الممكن بحثها في ظل التسوية الشاملة في المنطقة، وأن جهات داخل إسرائيل تتجاوب على الأرجح”!!

ردا على ما سبق، يقول الكاتب الإسرائيلي (اليشع أفرات)، أستاذ كرسي متقاعد للجغرافيا في جامعة تل ابيب، في مقال طازج: “إن موضوع حق العودة للعرب الذين طردوا في 1948 وأصبحوا لاجئين في الضفة الغربية وفي الدول العربية يُثار للنقاش من آن لآخر، لكنه يُدفع في واقع الامر الى الهامش الى درجة أنه يصبح موضوعا غير مهم عند حكومات اسرائيل، بسبب حساسيته السياسية، رغم أنه اليوم أهم موضوع في التفاوض بين دولة اسرائيل والسلطة الفلسطينية”. وهذا صحيح، فمرة يقترح الإسرائيليون استيعاب اللاجئين في بلدات عربية فقط، خاصة الكبيرة منها في كل واحدة 5 آلاف نسمة وأكثر، و”يفترض” أن تكون فيها بنية تحتية معقولة لاستيعاب زيادة عدد السكان!! ومرة أخرى يقترحون إنشاء بلدات جديدة لاستيعاب اللاجئين. لكن الواقع يؤكد أن الفكر اليميني المتغول في المجتمع الإسرائيلي (حكومات ومؤسسات وسكان) يؤمن أن مجرد فكرة العودة مرفوضة، وأنه لا يجوز لأي لاجئ فلسطيني أن يُستوعب في اسرائيل بسبب “خطر فقدان الدولة صبغتها اليهودية العتيدة”!! فأكثر الأسس التي تعتمد عليها إسرائيل في رفض تطبيق “حق العودة” الوارد في القرار 194 هو الأساس الأمني- الديمغرافي، حيث ترى أن تطبيقه يشكل خطراً على وجود إسرائيل كونه سيرفع بشكل كبير كثافة السكان العرب، وطبعاً فإن هذا الخطر المتوهم ناجم – في الجوهر – عن رغبة إسرائيل اعتبار نفسها دولة لليهود فحسب! ومعلوم أن الموقف الاسرائيلي من مسألة “حق العودة” يرتكز على ثلاثة عناصر شكلت ثوابت هذا الموقف منذ تأسيس دولة إسرائيل: الأول، أن قضية اللاجئين نتيجة طبيعية لحرب 1948 وهي من صنع العرب لأنهم “اعتدوا” على إسرائيل ونتاج “دعوة” القيادات العربية للسكان الفلسطينيين إلى “مغادرة قراهم لتسهيل تقدم القوات العسكرية للدول العربية”. الثاني، أن العرب يتعمدون إدامة مشكلة اللاجئين ويستخدمون الفلسطينيين سلاحاً في صراعهم مع إسرائيل. والثالث، هو أن اللاجئين “عرب ببساطة” وأن العرب يملكون من الموارد ما يكفي لاستيعابهم وتوطينهم في بلدانهم الواسعة.

لقد رجحت صحيفة “معاريف” احتمال “تحطم المفاوضات” التي استؤنفت مؤخراً على صخرة الخلافات الإسرائيلية الفلسطينية حول القدس و”حق العودة”، وأنها ستؤول بالجميع إلى انتفاضة ثالثة “أكثر عنفاً”. وسخرت “معاريف” من اللقاءات التي تعقد حاليا بين السلطة وإسرائيل، قائلة: “في هذه الأثناء يمكن أن يتفق الطرفان مثلاً على المكان الذي ستجرى فيه اللقاءات، وفي أي ساعة تبدأ الجلسة، وربما على لون الملابس التي سيرتديها المفاوضون”. واستطردت “وربما يتفاهمان على تعديلات حدودية طفيفة في مناطق ليست لها أي أهمية، لكن حينما تأتي لحظة الحقيقة وتطرح على الطاولة القضايا الجوهرية، فإن التوافق لن تقوم له قائمة كون الطرفين يريدان بالضبط ذات الشيء”. ومن جهته، يقول (ميخائيل وارشوفسكي) الكاتب الصحفي، والناشط البارز في حركة مقاومة الاستعمار/ “الاستيطان”: “من وجهة نظري، أرى أن القيادة الوطنية الفلسطينية قد ارتكبت خطأ فادحا خلال عملية أوسلو في ترك الإسرائيليين يعتقدون بأنه يمكن مناقشة عودة اللاجئين والتفاوض بشأنها والتكيف معها، وبأنه يمكن “تعويض” أو مقايضة حق العودة بالانسحاب الشامل من الأراضي المحتلة عام 1967. يجب إنهاء الاحتلال، ويجب تنظيف الأراضي المحتلة من المستوطنات كافة، وينبغي أن يكون اللاجئون قادرين على العودة إلى ديارهم. الموضوع ليس أما/أو، ولكن كلا الأمرين؛ وبخلاف ذلك، لن تكون هناك إمكانية لأية تسوية سياسية؛ ولا أية إمكانية لإقامة تعايش سلمي دائم”. ويختم (وارشوفسكي): “باختصار، لا يوجد أي تناقض بين تطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وبين إمكانية وجود قومي يهودي/ إسرائيلي في فلسطين. وتكمن المشكلة الحقيقية الوحيدة التي ينبغي حلها للوصول لهذا الحل، ألا وهي ضرورة تصفية الاستعمار، وتصفية البرنامج الاستعماري للمؤسسات الإسرائيلية، والتخلص من العقلية الاستعمارية الإسرائيلية. ومن أجل تحقيق ذلك، مطلوب علاقات جديدة، وليس عقد الصفقات الوهمية”.

إن قضية حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة راسخة في وجدان كل فلسطيني في الداخل والشتات بالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون وحالة التفكك والإحباط التي تسود المنطقة عامة.. وهذا ما تدركه إسرائيل تماما، لذا، فهي تجهد لجعل حق العودة صفرا… وهيهات تنجح استراتيجيا!