عن “الخدمة المدنية” في إسرائيل!!!

على “هدى” مبادئ النهج الفاشي تتحرك السياسة الإسرائيلية في أحد أبعادها الداخلية البارزة. وقد لجأت إسرائيل لهذا النهج على درب إلغاء هوية فلسطينيي 48، فأعدت قوانين تتضمن في تلافيفها مكونات من التمييز العنصري والتطهير العرقي. وقد عبر القادة الصهاينة عن مدى تعلقهم بالنهج العنصري عبر سلسلة من القرارات التعسفية التي تهدف إلى التضييق على الفلسطينيين وشطب حقوقهم المشروعة.‏

في السنوات الأولى من قيام دولة إسرائيل، دار حديث صهيوني حول إمكانية تجنيد أبناء الشبيبة العرب للجيش، لكن الحكومات ورؤساء جهاز الاستخبارات الإسرائيلية عارضوا ذلك بشدة، حيث نبع تخوف هؤلاء من التهديد الأمني الذي يكمن في تجنيد العرب للخدمة العسكرية. وفي العام 1949 عندما تم – إسرائيليا – تشريع قانون خدمات الأمن، تقرر عدم تحديد إعفاء للعرب من الخدمة العسكرية في القانون، وإبقاء المسألة بحسب اعتبارات الحكومة، حيث اختلفت الآراء حول هذه المسألة- في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) وفي صفوف العرب أيضا. وفي منتصف خمسينيات القرن الماضي، بدأ الجيش الإسرائيلي بالحديث “المغري” عن إمكانية تجنيد العرب للجيش، خاصة من الدروز والشراكسة. وفي العام 1954، صدر أمر تجنيد عام لأبناء الشبيبة العرب الذين بلغوا سن التجنيد، لكن الجيش والأجهزة الأمنية قررت، في نهاية الأمر، عدم تجنيد العرب- باستثناء البدو والدروز والشراكسة – حيث ما زال هذا القرار ساري المفعول حتى اليوم. بعد ذلك، توالت الاقتراحات الإسرائيلية لتشجيع الفلسطينيين العرب على دخول الخدمة الوطنية (لاحقا المدنية) كبديل للخدمة العسكرية، وربطها بقبولهم للتعليم العالي وغير ذلك من “امتيازات”!!! ولقد حدث ذلك مع صعود اليمين للحكم لأول مرة في العام 1977.

محاولة ثانية كانت في تسعينيات القرن المنصرم، تحديدا بعد اتفاقيات اوسلو حيث أخذت الخدمة المدنية اهتماما واضحا في النقاش السياسي الإسرائيلي منها على سبيل المثال قرار حكومة الليكود في العام 1998 صياغة مشروع لإجبار الشباب العربي على أداء خدمة مدنية، وقرار حكومة (إيهود براك) في العام 1999 تكليف مجلس الأمن القومي إجراء بحث شامل حول موضوع الخدمة المدنية للعرب. أما المحاولة الثالثة الراهنة فتعود بداياتها الى “هبة اكتوبر” في العام 2000 حين استشهد 13 شابا عربيا برصاص الشرطة، وتطرق معدو تقرير لجنة “أور” التي شكلتها الحكومة في 8/11/2000 بإسهاب الى التحولات في الوعي السياسي لدى المجتمع العربي ومسببات ذلك، حيث استخلص “بأن المجتمع العربي يمر في عملية تطرف سياسي نتيجة تراكم عدة عوامل، وأن الفئة الأكثر تطرفا هي فئة الشباب – التي تشكل اكبر فئة عمرية لدى المجتمع العربي- وبشكل خاص طلاب الجامعات”.

ما يميز المرحلة الحالية هو جدية الحكومة الإسرائيلية في سعيها لفرض الخدمة المدنية على الشباب العرب، على اثر توصيات لجنة اور، كونها ترى فيها نافذة لتغير الوعي السياسي والقومي للشباب العرب. فعندما شكلت لجنة “لبيد”، في منتصف أيلول/ سبتمبر 2003، والتي قامت باقتراح متكامل لإنشاء هيئة حكومة تعمل على تنفيذ تجنيد الشباب العرب في الخدمة المدنية، وضعت نصب أعينها الهدف من خلف هذا البرنامج: وهو احتواء الشباب العرب ومن ثم جسر الهوة بين الشباب العرب والدولة وصقل وعي جديد يطمس الهوية القومية للشباب العرب ويمهد الطريق لتجنيدهم بالجيش، وذلك عبر إغراء الشباب بالمخصصات والإعفاءات والعطايا.

من حق كل أقلية قومية أن تحافظ على هويتها القومية وثقافتها القومية. في هذا السياق، تأتي التحذيرات من “الخدمة المدنية في إسرائيل”. فالقوانين المعروضة على (البرلمان الإسرائيلي) تربط الحقوق بالاعتراف “بيهودية الدولة” وتتخطى الربط بين الحقوق والواجبات لتربط الحقوق بموقف سياسي من أجل الاعتراف بالدولة اليهودية. والجدل، بطبيعة الحال، يتصاعد في إسرائيل بشأن انخراط فلسطينيي 1948 فيما يسمى بالخدمة المدنية. وقد أظهر استطلاع أجري بين الشباب العرب في أراضي الـ 48 ونشرت نتائجه صحيفة “هآرتس”، شمل عينة من 504 أشخاص من الشباب الفلسطينيين في فلسطين المحتلة 1948 باستثناء سكان مدينة القدس والطائفة الدرزيةأن 71% من الشباب الفلسطينيين من الفئة العمرية 16- 22 يرفضون فكرة الخدمة المدنية في المؤسسة الإسرائيلية في إطار ما يسمى التساوي في العبء، مقابل 23%”. وأسباب رفض هذه الخدمة في المؤسسات الإسرائيلية كما ظهرت في نتائج الاستطلاع: “حوالي 36% يرفضون الخدمة لعدم تناسبها مع الشعور الوطني للشباب الفلسطينيين. حوالي 12% يرون بالقرار بداية أسرلة الشباب الفلسطينيين في فلسطين المحتلة 1948، والتخلي عن الحقوق الوطنية لهم. 16% فقط من الشباب الفلسطينيين يرون في الأمر التزاما من طرفهم تجاه الدولة”. وفي سؤال عما إذا كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي دولة ديمقراطية، أجاب 36.5% إنها دولة غير ديمقراطية، و26% قالوا إنها دولة ديمقراطية، والباقي قالوا إنها دولة ديمقراطية بشكل جزئي.

في معظم الدول الديمقراطية التي تنتهج التجنيد الإجباري، هناك ترتيبات في قوانين الأساس أو في الدستور للخدمة المدنية كبديل للخدمة العسكرية. أما مسألة وضع ترتيبات للخدمة البديلة في إسرائيل فتطرح بسبب النسبة العالية للسكان الذين لا يشاركون في الخدمة العسكرية، وكذلك بسبب الامتيازات التي لا يحصل عليها من لا يتجند للخدمة العسكرية (مثل: منحة التسريح من الجيش، امتيازات في ضريبة الدخل، إعفاء من دفع ضريبة الأرنونا، مِنَح تعليمية، منحة مقابل عمل ذي أولوية، قروض). وفي هذا كله، لا يطرح موضوع “المواطنة الكاملة”. أما الادعاءات المؤيدة لفرض الخدمة المدنية في إسرائيل فتستند عند دعاتها: إلى السعي لدمج جميع أجزاء المجتمع الإسرائيلي وتعزيز الهوية الإسرائيلية في صفوف أبناء الجيل الحديث. كما يرى مؤيدو الخدمة المدنية فيها فرصة لتقليص الاستقطاب الاجتماعي في إسرائيل، ومساهمة للمجتمع حيث تساعد أبناء الشبيبة العربية الذين يشاركون في هذه الخدمة في الانخراط في الدولة والمجتمع. بالإضافة إلى ذلك، يرى فيها المؤيدون عملا يحقق توزيعا متكافئا لعبء المساهمة في الدولة.

إن كتيب “الخدمة المدنية والفلسطينيون في إسرائيل”، الصادر عن مركز الدراسات المعاصرة في أم الفحم، يتناول الخدمة المدنية في إسرائيل، ومعطياتها الرسمية. ولأهميته وعمليته وخطورة موضوعه، ستتم – تباعا – إضاءة أبرز مضامينه لشدة ظلم وظلامية “الخدمة المدنية للفلسطينيين في إسرائيل”!!!