في إقليم “الشرق الأوسط” أربعة مشاريع أم ثلاثة؟

تعرضت منطقة الشرق الأوسط منذ 34 عاما (قيام الثورة الإسلامية في إيران) لعديد الهزات السياسية القوية. وقد غيرت هذه الهزات معالم من الخارطة السياسية، كان أولها الثورة في إيران حين خرجت بالكامل من قبضة النفوذ الغربي. وكان ثانيها في لبنان ونجاح المقاومة باستعادة الجنوب المحتل من إسرائيل. ثم جاء ثالثها متمثلا باحتلال العراق ومن ثم دخوله، رغم أنف الغرب، في المحور الإيراني. أما رابع الهزات فتمثل في تعاظم ظاهرة تنظيم القاعدة في العراق، ثم في سوريا، وصولا إلى فتنة سنية شيعية واسعة! ويستطيع الباحث/ المراقب، اليوم، رؤية فعل ثلاثة مشاريع سياسية في منطقة الشرق الأوسط، فماذا عن المشروع العربي؟!

أول هذه المشاريع هو الإسرائيلي. فقد بات معروفا ان الدولة الصهيونية غير راغبة في مبادلة الأرض مقابل السلام، تسعى للانخراط في مفاوضات أبدية وعبثية، تستثمر عبرها الوقت لتقوية قبضتها على القدس الشرقية والضفة الغربية، وتعمل حثيثا على جعل المستعمرات/ “المستوطنات” في الضفة جزء لا يتجزأ من (أراضيها)، فيما تجهد من أجل إطالة أمد نزاع الأخوة في سوريا: السماح بمد المعارضة بأسلحة لن تكفي للحسم بل “للصمود”، وصولا إلى إنهاك أو تدمير سوريا وإزاحتها من معادلة القوى الإقليمية المؤثرة. بالطبع، ينبع التركيز على سوريا من كون استنزافها هو استنزاف سياسي ومالي للدول الداعمة وبالذات إيران، وكذلك “حزب الله”، كما هو تهديد صريح لمكتسبات فورية، وأخرى نأمل أن نلمسها لاحقا لما بات يسمى “الربيع العربي” الذي يحرفونه نحو فتنة طائفية مذهبية. وفيما يتحدث كلا الفريقين عن نصر في حرب لا منتصر فيها بل خاسر واحد أكبر هو الدولة السورية بكل مكوناتها، يحرص المشروع الإسرائيلي على إطالة أمد الحرب، سواء بقي النظام أم رحل، فهي لا تريد دولة سورية مستقرة ومحافظة على وحدتها، فضلا عن أمنيتها رؤية شعب، لطالما تغنينا بتعدده وتنوعه وعلمانيته، تسري الطائفية في عروقه وتسمم كيانه.

ثاني المشاريع هو التركي، الذي يحاول المزاوجة بين إسلاميته التي يمثلها حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبين علاقاته المتينة مع إسرائيل والغرب ومساعيه المرفوضة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وشهيته للتمدد في العالم العربي. وكان المشروع قد شهد تصاعدا ملحوظا في “الإقليم” خلال السنوات القليلة الماضية، سواء على المستوى الإقليمي أو حتى على المستوى الدولي. ولعل أبرز أدواره كان في القضية الفلسطينية سعيا وراء احتلال مساحات نفوذ في العالم العربي على حساب أطراف عربية ضعفت، أو في مواجهة قوى أخرى (إيران أساسا) تمددت، لذا، ساعدت القضية الفلسطينية أكثر من غيرها في تعزيز مكانة تركيا في النظام العربي. وقد تجلى المخطط التركي حين حدد منظر “العدالة والتنمية” وزير الخارجية الحالي (أحمد داود أوغلو) استراتيجية تركيا وخرج بنظرية جديدة للسياسة الخارجية التركية تقوم على مبدأ “صفر مشاكل” الذي أعلنه في كتابه “العمق الاستراتيجي.. مكانة تركيا الدولية”. ويقول (أوغلو) في مقال بمجلة “فورين بوليسي الأمركية” عدد حزيران/ يونيو 2010: “رؤيتنا للسياسة الخارجية التركية تعتمد على ثلاثة محاور؛ الأول يتعلق بدولتنا، وهو قائم على التوازن بين الأمن والحرية من أجل أن تأخذ تركيا موقعها بين أقوى دول العالم. المحور الثاني يتعلق بالإقليم من حولنا، ويقوم على التأثير القوي في الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز، نحن لا نمثل 75 مليون تركي فقط، بل نحن معنيون بكل مكان يوجد فيه الأتراك أو عاشوا فيه سابقًا. المحور الثالث وهو المحور العالمي القائم على أن يكون لتركيا دور وكلمة في جميع القضايا العالمية من تغيير المناخ إلى القضايا السياسية المختلفة من تشيلي وحتى الفلبين”. ومما يجدر التنويه به هو أن مشروع تركيا “الإقليمي”، حسب رؤية “العدالة والتنمية”، ليس في موقع التصادم أو حتى التناقض لا مع الغرب ولا مع إسرائيل.

المشروع الثالث، هو المشروع الإيراني، الشيعي، (والبعض يقول الفارسي/ الصفوي) الهادف “الاستيطان” في المنطقة العربية، والذي يقف، أو كما يراد له، في وجه المشروع التركي السني. ومثل هذا التوجه يثير الخوف والرعب لدى كثير من القادة في العالم العربي اليوم، بل إنه يواجه من إسرائيل ومن الغرب بالتهديد باللجوء إلى استخدام القوة، ان لم تستجب الجمهورية الإسلامية بتعطيل برنامجها النووي. ولا يزال الغرب بلسان إسرائيل في أحيان كثيرة، وبلسان غربيين في أحيان أقل، يهدد إيران باستخدام القوة العسكرية وضرب المفاعل النووي الإيراني، إذا هي أصرت على موقفها الصلب من تخصيب اليورانيوم. والمشروع الإيراني، يتسم بطبيعة يمكن القول عنها أنها ظاهرة يتداخل فيها الديني بالقومي، فهو مشروع أساسه عدم التدخل في شؤون الآخرين، فيما كل الآخرين مستاؤون من تدخلاته وطروحاته الإسلامية، علما بأن هنالك فئات كثيرة من المجتمعات العربية لا ترى في إيران خطراً على أمنها، خاصة عندما تتم مقارنتها بإسرائيل.

أما المشروع الرابع، الميت على الأرض، الحي – على شكل “أمنية” أو “حلم” – في قلوب وعقول الشعوب العربية، فهو المشروع القومي/ الإسلامي العربي الوحدوي، الذي كلما كان هناك محاولة لإحيائه ووجه بمخططات وبرامج لضربه، يتمثل اليوم بما أصبح عليه “الربيع العربي” الذي تم حرف اتجاهاته في أكثر من حالة.. فبعد الإطاحة بنظام معمر القذافي وجر ليبيا إلى فوضى ما زالت مستمرة، ها هي الفوضى تبحث عن مكانها في مصر، فيما تم إشعال فتنة طائفية سنية شيعية تهب نيرانها القميئة على سوريا.. دون إطلاق رصاصة إسرائيلية واحدة، أو صرف “شيكل” إسرائيلي!!!

يقول الكاتب الصحفي المعروف (مكرم محمد أحمد) رابطا الماضي بالحاضر بالمستقبل: “القومية والوحدة العربية تظهر بجلاء واضح عندما يكون هناك أزمة في الوطن العربي كله”. أولسنا في أزمة؟! فنحن أينما يممنا النظر نرى المشاريع الثلاثة (الإسرائيلي، والإيراني، والتركي) مشاريع حية، تفعل فعلها على الأرض العربية، في ظل غياب “ساطع” للمشروع العربي المنشود، وهذا كله، رغم التفاوت في خطورة هذه المشاريع على العالم العربي، ذلك أن لكل دولة مصالحها التي تنطلق من خلالها لإثبات وجودها باعتبارها قوة إقليمية. وفيما نرى هذه المشاريع الثلاثة فاعلة تحقق كسبا صافيا لكنها بالمقابل مصطرعة. من الرابح والمستفيد من هذه الحالة؟! هذا ما سنعالجه في مقالنا القادم.